"ألقت الشمس بأشعتها المتلألئة على صفحة مياه النهر، لتعكس ضياءً ينتشر على شاطئ النهر، يُبهج كل من ينظر إلى مياهه المنسابة التى تشق طريقًا وتحمل معها الحياة إلى كل بقعة أرض تمر بها. نظر إلى النهر العظيم، فإذا هو يردد: « يا ليتنى أحمل الحياة مثلك أيها النهر العظيم!»".
النهر، ذٰلك التيار المائى الذى يحمل فى أعماقه قوة الحياة، يتكون من قطرات المطر المتساقطة على قمم الجبال، التى تأخذ فى بداية رحلتها طريقها إلى جوف الأرض حتى تتشبع.. وحين تنساب السيول تؤلف المياة طبقة رقيقة تجرف الأرض معها رويدًا رويدًا لتصنع لها مسارًا وطريقـًا بين منحدرات الأرض.. وتنطلق معظم بدايات الأنهار من أعالى الجبال أو التلال أو الهضاب.. ويُبدأ فى تكوين جداول صغيرة تتحد معـًا لتُجمِّع النهر، ولينتهى بمصب قد يُكوِّن نهرًا أكبر أو بحيرة أو محيطـًا.
وفى حياة كل منا تتألف عدة أنهار تبدأ بقطرات بسيطة تشق طريقها فى أفكاره وسلوكه، إلى أن تُصبح هى أثرًا لا يُمحى فى حياته، يصبه فى حياة الآخرين. والأنهار التى تتكون فى حياتنا كثيرة، منها "أنهار العطاء" التى تبدأ فى الحياة بتعليم أطفالنا أن يقدموا إلى الآخرين شيئـًا بسيطـًا دون مقابل، إلى أن يحفِر حب العطاء فى قلوبهم طريقـًا لنهر عطاء لا ينتهى يستظل تحت أشجاره آخرون.
و"أنهار العلم والمعرفة" تُعد من أهم الأنهار فى حياة الإنسان، إذ يمكنه بها أن يقدم مساعدة حقيقية لخدمة البشرية فى تقديم الإنجازات والاختراعات، وما يساعد البشر فى أداء مهامهم والحياة بيسر وسعادة.. ومن خلال المعرفة، يتمكن الإنسان من تطوير ذاته ومساعدة الآخرين فى التغلب على المشكلات، التى تعترضهم.. ما أجمل أن يفيض الإنسان بالمعرفة الصحيحة على من حوله! إذ يكون بهٰذا كمنارة ترشدهم فى خضم بحر هٰذه الحياة، وبخاصة فى لحظات السواد الحالك واليأس.
وما أروع تلك النفس التى تشق "أنهار المحبة" طريقـًا لها فى حياتها! فتكون واحة خضراء لكل نفس متعبة متألمة تحتاج إلى أن تستظل وسط قحط العالم، وبين تلك الجزر التى يعيش فيها كل على حدة، منفردًا فى جزيرة لا يشعر فيها بالآخرين!
وما أعظم نهر "الرحمة" الذى يفيض من حياة إنسان ليرسُم الابتسامة على وجوه شعرت أن الحياة لم تعُد لها! أنفس تحتاج إلى من يعضدها ويشددها، ويُخبرها لا بكلمات بل بأعمال أنهم بشر وأن لهم الحق فى الحياة والسعادة.
اصنع لك أنهارًا تنبُع من أعماقك وتصب فى بحر الحياة الأعظم.
فكما تتكون الأنهار من قطرات الأمطار المنعَم بها من السماء، هٰكذا تتكون أنهار حياة الإنسان من هبات الله له.
وكما تمتلئ ضفاف الأنهار بالأشجار، ويسعى الإنسان للسكنى جوارها، هٰكذا تمتلئ حياة الإنسان التى تحمل أنهاره بالحياة والعطاء ومحبة البشر له.
* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى .
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
سعيد هرمينا
محاكمة البابوية