وسط الصدمة يعوزنا التفكير العقلانى والمنطقى، وغالبًا تتأرجح ردود الأفعال بين التهوين والتهويل، والأول يتسرب عبر صفحات التواصل الاجتماعى خلال الساعات التالية للحدث.. لقد قرأت تعليقات من نوع المسلسلات رجعت، والإعلانات كمان، ومصر ولا كأن حاجة حصلت، أو يا عم الداخلية الإخوان علموا عليها، وكل التعليقات التى تابعتها على بعض الصفحات الفيسبوكية والتويترية أصحابها لا يعلمون أى جرم يرتكبون بقصد أو بدون. وأنا أفترض أنها ليست إخوانية، لأن إعلام الإخوان كان قمة الابتذال والشماتة، بل وصلت وقاحة الأهطل الهارب صبى الشاطر اللى اسمه المغير أن عمل مزادًا، ودعا متابعيه للتنبؤ بالمقتول القادم، وقال إنه يعلن فزورة رمضان: الدور الجاى على مين؟، وهو هارب كفأر مذعور لا يجرؤ أن يظهر، ويمارس النضال الإخوانى عبر الفيس بوك من تركيا بعد أن هرب فى السودان فترة. المهم إننى أحذر من هذا النوع من التعليقات، لأنه يكرس حالة من الإحباط العام، وأيضًا أحذر من نسيان الأمر بعد كام يوم، لأن آفة حارتنا النسيان، كما قال عمنا نجيب محفوظ، أو أننا نعانى ذاكرة الأسماك كما قال العظيم جمال حمدان، ولكل ما فات لابد من المواجهة وتحديد المسؤولية.. النائب العام قتل، وهى المرة الأولى فى تاريخ مصر، حيث خطط الإخوان منذ الأربعينيات لقتل صاحب المنصب عدة مرات، وجاء ذلك فى مذكرات العشماوى، الذراع اليمنى لعبدالرحمن السندى، قاتل النقراشى، ومسؤول التنظيم الخاص، ولم يفلحوا، لكنهم عملوها فى 2015 وهم- أى الإخوان- المتهم الواضح المباشر المسؤول، هكذا يمكن أن نستريح، ونلقى التبعة كاملة على الشرطة، ونطاردها للقبض على الجانى، لكن هذا ليس الحل البتة، وليس الإخوان الذين نفذوا بالداخل وحدهم القتلة، ولنوضح الأمر.
أولًا: القاتل الأول والمباشر هو شيخ الفتنة يوسف القرضاوى الذى أباح فى كلمته فى تركيا أمام اتحاد العهر الذى يرأسه، وأمر بالجهاد ضد الانقلابيين فى مصر، وحرّض على ضرب الجيش المصرى، وقال إن جيش إسرائيل أحسن من الجيش المصرى، طبعًا لأنه أخذ الحاخامات بالحضن فى الدوحة.
ثانيًا: منذ أسبوع رأيت مداخلة تليفزيونية على قناة إخوانية اسمها «مصر الآن»، المذيعة فلسطينية حمساوية تسأل الإخوانى الهارب أكرم كساب، وقدمته باعتباره عضو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين بتاع القرضاوى، وسألته بشكل مباشر: هل أفتيت بقتل قضاة مصر؟ فقال بالحرف- والفيديو موجود- إن الخلاص من القضاة والقضاء عليهم فريضه شرعية، وضرورة بشرية، وأمنية ثورة، ونشر هذا الكلام على صفحة القرضاوى، وبعده مباشرة كتب عصام تليمة، الإخوانى المقيم فى قطر ومدير مكتب القرضاوى وصبيه، بالحرف: يحق لولى دم المعدم «يقصد الصادر ضده حكم إعدام» أن يقتص من القاضى إذا تأكد أنه أصدر حكم الإعدام ظلمًا، وعندما سألوه من ولى الدم قال كلنا ولى دم.. إذن التحريض واضح، والتهيئة النفسية والفتاوى الشرعية جاهزة.
ثالثًا: الدولة تركت السوشيال ميديا للإخوان، والداخلية تغزل برجل حمار، وقد ذهبت ورأيت ما أحزننى.. أجهزة قليلة، وعدد ضعيف من الضباط والأفراد ليسوا مستعدين لحرب حقيقية تطلق ملايين الصفحات المحرضة ضد الدولة، وتجرى كل لحظة غسيل مخ للشباب، بل تستخدم الفيس بوك لتجهيز كوادر، وتنفيذ عمليات فى العمق المصرى، وأنا منذ عامين بُح صوتى فى هذا الموضوع، ولا أجد من يسمع.
رابعًا: الأزهر والدعاة وحزب النور والسلفيون جميعًا متهمون بقتل النائب العام، وذلك لأن المناهج لم تتم تنقيتها، والفكر الإرهابى والخطاب الدينى هو هو فى كل مناهج الأزهر، وداخل مدارسه وكلياته.
خامسًا: التعليم والإعلام الرسمى والخاص جميعًا متورطون فى قتل الرجل، ذلك لأن أحدًا لا يتحمل مسؤوليته فى الحرب الدائرة، الجميع استسهل وترك السيسى يواجه الحرب منفردًا. الإعلام أما تسطيح وتسلية وتفاهة، أو نوم وعزف خارج النوتة لأهداف خاصة، والتعليم تفريغ لشباب مصر من هويته وطاقته، ووزارة الشباب أنشطة موظفين فارغة، وتسديد خانات، وأداء مستنسخ منذ أيام الحزب الوطنى.
أخيرًا وزارة الثقافة أخطر متهم لأنه تركت المعركة الأخطر، وهى مواجهة الفكر الإرهابى وبيئته الحاضنة.. المعركة فكر يا سيادة الرئيس، وعليك أن تجتثها بالفكر قبل الأمن والقضاء وتنفيذ الأحكام.