لا يكفى ارتداء المذيعات الجميلات الأسود، ولا تكفى شارات الحداد على الشاشات، ولا تكفى عبارات الرثاء والإجلال لشهداء الوطن، ولا تكفى عبارات الإدانة والرفض لكل أشكال الإرهاب، ولا يكفى بث أغنيات ساذجة عن حب مصر ودماء الشهداء الغالية.. لم يعد كل هذا مفيدًا أو مناسبًا، لأن أبناءنا فى الجيش والشرطة يخوضون حربًا شرسة ضد الإرهاب، بينما الإعلام بعيد عن هذه المواجهة المصيرية، ومشغول ببث سيل لا ينقطع من المسلسلات والمسابقات والإعلانات التافهة التى تقدم حياة غير واقعية عن مصر والمصريين.
كل مظاهر الحزن التى اجتاحت شاشات القنوات الخاصة والعامة وبعض الصحف هى نفاق موسمى سبق أن قدم فى مناسبات سابقة ضرب فيها الإرهاب أبناء الوطن، وسقط شهداء وجرحى، وتسابقت القنوات وبعض الصحف فى البكاء والإدانة والشجب، ثم نسيت موضوع الحرب على الإرهاب واستمرت فى لعبة خداع النفس وخداع الناس من خلال تقديم حياة مخملية لا تمس الواقع بصله، حياة تسيطر فيها صور ورموز الثراء والمتعة والسعادة التى ترتبط دائما بمزيد من الاستهلاك، والإعلانات. حياة ليس للحرب أو معاناة الوطن فيها مكان، إعلامنا لا يقدم أخبارا وصورا كافية عن الحرب التى يخوضها الجيش والشرطة فى سيناء، والتى يجب أن يعيشها كل أبناء الوطن ويقفوا على تفاصيلها ويعرفوا دورهم فى هذه المعركة، ولا يعنى هذا منع التسلية أو منع بث المسلسلات، ولكن ما أطالب به هو التوازن بين المتعة والترفيه، وبين الاهتمام بتغطية الحرب مع الإرهاب ونقل الإعلام للمعركة.. وأقصد به أن ينتقل الإعلاميون والكاميرات إلى الجنود فى مواقعهم فى سيناء، وينقلوا لنا بالتنسيق مع الشرطة والجيش والشؤون المعنوية حياة الجنود فى الميدان، بطولاتهم، مشاكلهم، وعلاقتهم بعائلاتهم، وفى ظنى أن نوعية هذه البرامج شبه غائبة عن الشاشات والإذاعات، ربما لأن أعداد المراسلين الحربيين أقل من أعداد الطهاة فى برامج الطهى.
لدينا فى حرب الاستنزاف تجربة غنية من إعلام المعارك، الإعلام الذى ينتقل إلى الميادين، ولا ينتظر أخبارا وتقارير تأتى إليه كى يبثها بلا روح، وأعرف صعوبة تكوين مراسل حربى مهنى على غرار جمال الغيطانى وصلاح قبضايا وحمدى الكنيسى فى الإذاعة وغيرهم، لكنها ليست مهمة مستحيلة، وعلى إعلامنا أن يبدأ، خاصة أننى على ثقة تامة من أن الجيش والشرطة لن يبخلا بتقديم الدعم والمساعدة، لأنهما فى حاجة إلى من يسمع صوتهم للناس، وإلى مراسلين حربيين وكاميرات تذهب للجنود فى مواقعهم وتشعرهم بأنهم ليسوا وحدهم فى المعركة مع الإرهاب.
أيضا مطلوب أن ينقل إعلامنا الحرب على الإرهاب للناس بدقة مع مراعاة المهنية، والبعد عن الدعاية، وهنا لا مجال لتجهيل مصادر الأخبار ونشر أخبار غير صحيحة تؤثر بالسلب على الروح المعنوية للجنود وللشعب، ومطلوب من إعلامنا أن يبقى على اهتمام الجمهور بالحرب ومتابعة تفاصيلها، بشكل مستمر وليس موسميا، ويجب على الإعلام أن يشرح للجمهور أهداف الإرهاب، وكيف توظف بعض القوى الإقليمية الإرهاب ضد مصر لكى تحقق مصالحها فى المنطقة، والعلاقة بين الإرهاب والإخوان لأنه حتى اليوم لم يركز إعلامنا على تفاصيل هذه العلاقة، ولم تبث قناة أو إذاعة حوارا مع متهمين من الإخوان بارتكاب أعمال إرهابية، بالرغم من نشر بعض الصحف لاعترافات عناصر من الإخوان بارتكاب أعمال إرهابية، وأتصور أن بث هذه الاعترافات بالصوت والصورة أكثر تأثيرًا من نشرها فى الصحف.. رسالتى باختصار أن إعلامنا فى معظمه لا يساعد فى المعركة ضد الإرهاب، ولابد من مراجعة دوره، واتفاق القنوات والصحف العامة والخاصة على ميثاق شرف يحدد قواعد التغطية الإعلامية للحرب على الإرهاب، التى يحتمها الواجب الوطنى والمسؤولية الاجتماعية والأخلاقية، ومن غير المنطقى أو المفيد لنا جميعا الاستمرار فى إلهاء الناس بمسلسلات وبرامج سطحية لا تهدف سوى التسلية وبيع الإعلانات، بينما البلد يحارب الإرهاب.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مها سليمان
رائع
كلامك سليم 100% وياريت الاعلام يسمع كلامك الرررائع