نصر سليمان محمد يكتب: الخريف والشعر الأبيض

الأحد، 05 يوليو 2015 08:07 ص
نصر سليمان محمد يكتب: الخريف والشعر الأبيض الشعر الأبيض- صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أفقت من غفوة الأيام، أتفحص ذاتى، نفسى، بصمات على وجهى، تبدل الحال، ولى زمن لم أتأمل ملامحى، أتحسس خطوط الزمان، سريعة الأيام تمر، أعوام وراءها أعوام، غافلون نحن بنى الإنسان، تأخذنا أحلامنا، تجمح بنا مسرعة هاربة من عمرنا، نسير فى ركبها، تبتعد بنا محلقة فى سماء أيامنا .
حائر أنت أيها الإنسان، بين نفس تسكن جسدا، تحلم، تحلق، غافلة عن عمر مضى، وشاغلها مستقبل الأيام .

نفوسنا، قاطرة عفية، قوية، شيطان يتملكنا، تلهو بنا وتسير مسرعة غير مبالية إنسان أنهكته الأيام، تركت بصماتها وخطوطها بالوجه والقلب والوجدان، وجسدا بالى هزمه الزمان .

نفس وجسد لا يلتقيان، طريقهما عكسى، يسيران فى اتجاهين متضادين، نفس حالمة، آملة، وجسد ينهى مشوارا يظن أنه طال، وغافل أنا لا أدرى نفس أم جسد أم إنسان.

من غفوتى، غفوة الأيام صحوت، نظرت، بصمة من بصمات الزمان، شعر أبيض غزا سواد رأسى، فبات فروة بيضاء احتمى بها من بروده الزمان، رعشة فى القلب أصابتنى، أهكذا تبدلت الأحوال، مرت الأيام وتسربت منى الآمال، أغفوت غفوة أهل الكهف، أم أُخذت بلهو الأيام.

تذكرت يوما سألت صديقا لى أصابه مرضا عضال، ما أمرضك؟، أجابنى إجابة عبقرية، قال هو سبب للوفاة حتى إذا مت قالوا مات بمرضه .

تذكرته وأنا أعبث بيدى فى شعيرات بيض خطت رأسى، أهذا سبب، علامة من علامات النهاية .
أردت أن أتيقن، سألت ابنى، شعر لأبيض غزا رأسى، ما قولك؟، أجابنى بلا اكتراث يا عم، . "فكك" !!
تركته، سألت ابنتى ما رأيك فى شعر والدك الأبيض؟، أزاحت بيدها وقالت باسمة "كبر"!!
جيل جديد، إجابات سريعة، ربما عميقة، لكن بلا إحساس.

قلت أسأل زوجتى العاقلة، أم الأولاد، أكيد دى فاهمانى ومش ها تضغط على الوجع قلت لها "شفتى شاب شعرى بعد ما كان كله سواد "، أشاحت عنى بوجهها وقالت لى أنت ها تاخذ زمانك وزمان غيرك شوف سنك كم دالوقتى دا كويس إن شعرك لسه بخيره، دا أصحابك كلهم قرع، ولسان حالها يقول "أحسن عشان يتهد"
تركت منزلى للخارج، حزينا لغفوة أصابتنى أفقت منها على ما أنا عليه، وقد أدركت أننى أصبحت من ذوات الشعر الأبيض، يعنى خطوتين وأصبح من ذوات الأربع، "لا تفهمونى غلط"، أقصد عصا اتكأ عليها.
صادفت بطريقى أسفل منزلى بعض الشباب، ألقيت عليهم التحية، أجابوا تحيتى، وعليكم السلام يا حاج، " حاج، حاج، مين حاج " نظرت حولى ربما يكون غيرى، فلم أجد سواى، أقنعت نفسى أنهم شباب وربما أرادوا زيادة الاحترام فنعتونى بالحاج، يلا عموما ربنا يكتبها لنا .
واصلت سيرى لعطار الحى لشراء بعض البهارات، وصاحب الحانوت رجل ضخم، أصلع الرأس، ذو كرش منتفخ، ويبلغ من العمر أرذله .
ابتعت طلباتى وطلبت الحساب، فإذا به ينظر إلى قائلا "عاوز حاجة تانى يا عم الشيخ "، عم الشيخ، شيخ، مين الشيخ "أهو أنت اللى شيخ وستين شيخ، قال شيخ قال، دا عبيط دا ولا إيه دا أنت حتى أكبر من أبويا ".

غادرت المتجر حزينا، ودار الفكر فى رأسى، أهكذا يرانى غيرى، ألهذا الحد تبدل حالى .
تذكرت عمرا مضى، مر أمامى طيف أجدادى، طيف أبى، أعمامى، أنا على الدرب أسير، قارب آخر الطريق، واقترب البعيد، خطونا وأسرعنا الخطى، واقتربت نقطة النهاية.

بينما أنا تائه مع ذاتى، شارد عن دنياى، أصابت قدمى حفرة وكدت أسقط، فإذا بأحد الشباب يأخذ بيدى وينظر لى نظرة حانية قائلا "خلى بالك كنت ها تقع يا بركة"، بركة، بركة، أنا بركة، أخرتها بقيت بركة، يادى المصيبة السودا، .الحقونى ياهوووووووووووو
استيقظ أيها الغافل، فقد نمت نومه أهل الكهف، أفق، الشعر الأبيض فى مفرقى، هو فرق توقيت بين زمن مضى، وأيام ربما لا تأتى بعد .










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة