عرفت الرجل عالماً فى عمله، مُحيطاً بهموم وطنه، مدركاً تبعات ومقتضيات مركزية منصبه فى الدولة المصرية، فدفع حياته ثمناً لذلك كله، نموذجاً فريداً باقياً لأجيال لا ينبغى أن يفوتها حقيقة مفادها الأعم أن لحرية الأوطان ثمن بالقطع ستستوفيه، ليشرف كل وطنى مخلص بنصيبه فيه، غير أن فى استشهاد المستشار الجليل هشام بركات، نائب عام مصر، رسالة بالغة الدلالة، تشير بجلاء إلى غياب الحسم فى كثير من مواقع العمل الوطنى، على نحو أتاح فرصاً متتالية، بموجبها حدثت بالفعل تشوهات مجتمعية عدة طالت الكثير من أوجه الحياة فى المجتمع المصرى.
وواقع الأمر أن حاجة مُلحة باتت تنتظر مفهوماً أوسع لمحتوى حالة الطوارئ، على مدى اتساع رقعة العمل الوطنى؛ إذ تستدعى الظروف، وعلى نحو متسارع، انطلاق رؤية شاملة تحدث تغييرات جذرية فى المجتمع، لعل من أبرز نتائجها فرض هيبة الدولة، ونشر الشعور بالأمن، حماية للأرواح والممتلكات؛ وليس إلا من هنا تبدأ الخطوة الأولى صوب حماية الأمن القومى للوطن.
ولعل إدراكاً سليماً لتحديات اللحظة الراهنة من عمر الوطن، نستخلص منه كم أن هيبة الدولة كل لا يتجزأ، ووعى لا يتشكك.. وهنا تجدر الإشارة إلى ملاحظات سريعة، نستخلصها من خصوصية المجتمع المصرى، وما يعتليه من "رؤى" بالية امتلكت من الزخم الدعائى أكثر مما تستحق.
وخروجاً من الحيز الضيق للمفهوم الدارج لإعلان حالة الطوارئ، تبدو الساحة الداخلية إلى رؤى جديدة تهدم ما رسخ فى الموروث الوطنى من نماذج جامدة لم تعد تتناسب وحجم وطبيعة التحديات والمخاطر غير المسبوقة التى تهدد الأمن القومى للوطن.
ولعل فى ذلك انعكاساً حقيقياً لما يجب أن تحدثه الثورة المصرية من قيم شكلت المرتكز الحقيقى للطموحات الشعبية المتصاعدة، ومن هنا نمضى قدماً نحو ترسيخ قواعد الدولة الجديدة المعبرة عن طموحات الشعب الثائر فى الخامس والعشرين من يناير، والتى أعاد الشعب النداء عليها فى الثلاثين من يونيو.
وهنا تعلو مسئولية وطنية مناطها قادة الرأى، ومعابرها وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، وهى مسئولية لا ينبغى أن يظل التخلف عن أدائها متاحاً دون مسائلة؛ إذ يستوجب الظرف التاريخى الراهن إعلاء المصلحة الوطنية، وتغليب الموضوعية منهجاً حاكماً لكل حوار مجتمعى يستنهض الهمم سعياً إلى قلب موازين عتيقة لم تنجح يوماً فى الوفاء بمتطلبات التنمية الشاملة المطلوبة،.
ومن جهة أخرى فإن نظرة تُحدق طويلاً فى الأفق صوب الغرب، تستلهم مرتكزاتها الفكرية من سياساته الاستعمارية، هى نظرة لا تحمل آمال وآلام الناس؛ فدفعاً بأهمية اندماج الدولة المصرية فى المنظومة الدولية، لا يعد سبيلاً إلى إهدار خصوصية المجتمع المصرى، وتجاهل ما يحيط به من تحديات؛ إذ لم يعد خافياً كيف تواجه الدولة المصرية الإرهاب غير مدعومة من الغرب إلا من بيانات الشجب والاستنكار والتنديد، وقد باتت المنطقة تعانى عمليات "فك وتركيب"، من شأنها مراجعة خريطة القوى الإقليمية، وصولاً إلى ترسيم جديد للحدود بين مصالح تتنافر بين قوى الاستعمار الجديد وشعوب المنطقة.
وعليه تتجاوز رؤيتنا حدود ما يحمله مفهوم "حالة الطوارئ" من قيود مرفوضة على الحقوق والحريات، لاحظ أن حكم مبارك لم تغادره "حالة الطوارئ"، بمفهومها الأمنى، إلى أن سقط بفعل ثورة يناير!. أما "حالة طوارئ" ينادى بها أبناء الثورة ليست بالقطع إلا سعى أكيد صوب إنجاز خيال سياسى خلاق، يتيح حركة أوسع وأسرع لقبضة الدولة، ولا يهدر ما فى قيم الثورة من حقوق وحريات أكد عليها الدستور.
وحسناً فعل الرئيس السيسى، إذ نفى كثيراً اللجوء إلى إجراءات استثنائية، حتى ونحن فى محنة تشييع جثمان الشهيد المستشار هشام بركات، لتبقى "حالة الطوارئ" المطلوبة مُعلقة فيما ستنتجه الحكومة والأحزاب والقوى السياسية وكل مؤسسات الدولة من رؤى وأفكار مستحدثة يمكنها استيعاب متغيرات اللحظة الاستثنائية الراهنة، ونعيد بمقتضاها أولويات الدولة على كل محاور العمل الوطنى، باعتبار الدولة فى حالة حرب حقيقية.
ليكن تكريمنا الأصدق للشهيد المستشار هشام بركات.. عملاً جاداً مخلصاً، لا نبتغى به إلا مصلحة الوطن، وأداء أمانة الثورة؛ فنتجاوز بشجاعة وثقة، حدود ما يسمح لنا به أعداء الوطن؛ فحالة طوارئ ثورية، ينتفض بها الجميع فكراً وعملاً، وليس إلا كذلك نسحب الوطن من حافة السقوط.
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
مطلوب مفهوم اوسع للطوارىء فى الكهربا والمياه والمرور والاسكان والزراعه والاسكان واسعار الليمون
بدون