فى عصر عبدالناصر والسادات وحتى عام 1977، كان يوجد ما يسمى بالرقيب الذى يرى المواد الصحفية قبل نشرها ليرفضها أو يقبلها، وكان بعض الصحف يخرج جزءًا من صفحتها أبيض بسبب قيام الرقيب بحذف مادة صحفية أثناء طبع الصحيفة حتى خرجت المقولة الشهيرة «هو إيه اللى كان مكتوب؟»، فيرد البعض: «خمن»، وظل الرقيب المكلف من جانب السلطة هو المسيطر على كل شىء فى الجريدة حتى إنه كان أقوى من سلطة رئيس التحرير ورئيس مجلس الإدارة، وكان الجميع يخشى وجود الرقيب الذى كان يعتبر هو عين النظام على كل ما ينشر فى الصحف، ولهذا لم يكن ممكنًا أن ينشر خبر إلا بمواقفة الرقيب، ولم يكن الرقيب يحذف الأخبار السياديه أو الجيش أو المخابرات أو الأسعار فقط، بل وصل الأمر إلى حذف موضوعات وصفحات اجتماعية كانت تتناول أخبار المجتمعات الراقية والأندية خاصه بعد أن أبدى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر انزعاجه من تناول الصحف لحياة النوادى والفتيات الأرستقراطيات، وقال: «أين الصحف من حياة البسطاء فى كفر البطيخ؟» لتدخل الأخبار الاجتماعية التى كانت متنفسًا للنميمة الإعلامية ضمن الأخبار التى يحذفها الرقيب بمقصه، وظل الرقيب هو المسيطر على مقادير النشر فى الصحف والتليفزيون والإذاعة ولم يتم إلغاء الرقابة بمفهومها التقليدى إلا فى عام 1977 وإن ظلت هناك رقابة داخلية متعددة الأهداف، فهناك رقابة رئيس القسم والديسك ومدير التحرير ورئيس التحرير والصحفى نفسه الذى بداخله رقيب بمقص حقيقى يجعله رقيبًا على كل ما يكتبه، لهذا تقلص وجود الصحفى المبدع الذى تحول لموظف فى مهنة أساسها الإبداع مثلها مثل الفنان.
وإذا أضفنا لمهنة الرقيب ترسانة القوانين الرقيبة على العمل الصحفى فإننا نجد أنفسنا أمام وظيفة لن تقدم أى جديد إلا بمواقفة هذه الترسانة من القوانين المعيبة التى أضيف لها عدة مواد فى مشروع قانون الإرهاب الجديد الذى يقضى على ما تبقى من هامش الحريه للصحافة والإعلام، فكل شىء ممنوع نشره إلا من خلال البيانات الرسمية، وأصبح الحل من وجهة نظرى هو إعاده رقيب الستينيات على الصحف مرة أخرى ويتم تخصيص مكتب له بجوار مكتب رئيس التحرير وتعرض عليه كل الأخبار والموضوعات الواردة للجريدة للموافقة على نشرها ومنعها، وهذا هو الحل لأن مواد قانون الإرهاب واضحة ولا نشر إلا بعد مواقفة مصادر الأخبار فى كل الوزارات من وزارة الدفاع حتى وزارة البيئة، ومن يخالف ذلك فإنه معرض للحبس، ولضمان عدم حبس الصحفى فإن عودة الرقيب للصحف أصبح هو الحل لمواجهة خطورة المواد الأربعة، وهى المواد 26 و27 و29 و33 و37 من مشروع قانون الإرهاب الذى أعدته الحكومة، هى الرقباء الأربعة فى أى مؤسسة إعلامية وخاصة المادة 33 هى الأبرز فى هذه الأزمة، حيث نصت على أنه «يعاقب بالحبس الذى لا تقل مدته عن سنتين، كل من تعمّد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أى عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية، وذلك دون إخلال بالعقوبات التأديبية المقررة فى هذا الشأن».
ولحل هذه المشكلة علينا بالتفكير فى إعادة الرقيب لحل هذه المشكلة أو إرسال البيانات الرسمية لكل الصحف لتخرج صحف مصر كلها متشابهة كما كان الحال فيما يعرف بالصحف القومية التى كانت مجرد نشرة للنظام الحاكم فى كل العهود من عبدالناصر وحتى محمد مرسى ولم تخرج عن القاعدة سوى الصحف الخاصة والحزبية التى تعرضت لكل أنواع الحروب حتى انتهت تجربة الصحف الحزبية وتم خصيها نهائيا، والآن جاء الدور على الصحف الخاصة من خلال هذه القوانين مثل مشروع قانون الإرهاب الذى كشف عن النية السيئة من السلطة للصحف والإعلام، والتى يجب أن تتحرك حتى لا تجد نفسها مضطرة فى النهاية إلى أن تطلب هذه الصحف عودة الرقيب الحكومى والأمنى لكل صحفية حتى لا يجد رئيس التحرير نفسه وأغلب محرريه فى السجن لو نشر خبرا عن خطة وزارة البيئة لتنظيف مصر ولم يكن هذا من خلال بيان صحفى للوزارة واجتهد المحرر وحصل عليها من مصادر خاصة، وما ينطبق على وزارة البيئة ينطبق على الوزارات السيادية، وهو يخالف مواد قانون الإرهاب، والنتيجة حبس الصحفى، ولكن وجود رقيب داخل كل صحفية سيكون هو الحل، وهناك حل أفضل وربما يستهوى أى نظام لا يحب الإعلام، هو تأميم الصحافة وتحويلها إلى صحف قومية أو حكومية، وذلك لضمان عدم الخروج عن مواد قانون الإرهاب وترسانة القوانين التى تكمم أفواه كل صحفى للأبد.. وللحديث بقية.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصراوي
اعطونا مهنيه يحتار عدوك فيك
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
ولماذا لا يكون هناك رقيب على تصرفاتك وتحركاتك واقوالك.. انها الحريه والضمير
بدون