محمد فودة

محمد فودة يكتب.. «شبح» الفساد يطارد مشروعات رجال الأعمال والمستثمرين

الأربعاء، 08 يوليو 2015 08:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم تكن تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى بأن ما تتيحه مصر من فرص استثمارية واعدة يتطلب تحفيز دور القطاع الخاص وتشجيع المستثمرين على الاستفادة من تلك الفرص والقيام بدورهم جنباً إلى جنب مع دور الدولة التى تساهم فى تدشين الاستثمارات الجديدة، مجرد كلام للاستهلاك الإعلامى، بل هى فى حقيقة الأمر انعكاس طبيعى لتوجهات الرئيس فى مسألة مهمة يضعها فى أولوية اهتماماته وهى ضرورة تشجيع الاستثمار، والحرص على خلق مناخ مناسب لجذب المستثمرين المصريين والعرب بل والأجانب أيضاً.

وهنا تكمن أهمية قيام الرئيس السيسى بتكلف اللواء محمد عرفان جمال الدين رئيس هيئة الرقابة الإدارية بفتح عدد من الملفات الشائكة فى مقدمتها تذليل العقبات التى يعانى منها رجال الأعمال والمستثمرين، والعمل على تفعيل القيام بسلسلة من الإجراءات الناجزة التى توفر الجهد والوقت على المستثمرين الجادين الذين يرغبون بالفعل فى تنفيذ مشروعات عديدة ضمن المنظومة العامة التى تسير عليها الدولة الآن.

وحينما يقوم الرئيس أيضاً بتكليف رئيس هيئة الرقابة الإدارية بمتابعة أداء الوزراء وكبار المسؤولين فإنه يؤكد مدى أهمية هذه المسألة بالنسبة للقيادة السياسية التى تعى جيداً أنه لا مجال أمامنا إلا بتوسيع دائرة جذب الاستثمار والمستثمرين، وفى نفس الوقت فإن ذلك لن يتأتى إلا من خلال قرارات رادعة ضد من يتسبب فى تعطيل تلك المسيرة، فلا أحد فوق المساءلة والكل أمام القانون سواء، فضلاً عن ذلك فإن هذه المسألة تعنى وبشكل واضح أنه لا مكان بيننا لفاسد أو مستغل لموقعه، فاللواء عرفان خلال توليه من قبل منصب رئيس قطاع العمليات الخاصة عمل جاهداً على تفعيل دور اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد إلى جانب قيامه بإعداد خطة عمل لتنشيط دور هيئة الرقابة الإدارية ومنحها حرية أكبر فى الحركة وملاحقة الفاسدين بالقانون.

وهنا أتوقف أمام مسألة أراها فى غاية الأهمية، تتعلق بهذا المناخ غير الصحى الذى يحيط بالاستثمار، وأعنى به مناخ الفساد الإدارى الذى يقف بمثابة حجر عثرة أمام أى خطوة تخطوها الدولة فى الطريق نحو الاستثمار، فالفساد هو الآفة الحقيقية التى تنخر فى عظام الاقتصاد القومى، وهى معول الهدم الذى ينهش فى جدار الاستثمار، فكيف نطالب المستثمرين ورجال الأعمال بضخ أموالهم فى مشروعات تنموية تتطلب الملايين من الدولارات، بينما نتركه فى نفس الوقت فريسة لطمع وجشع صغار الموظفين الذين فى استطاعتهم للأسف الشديد القيام بعرقلة الأوراق والمستندات والتصاريح الخاصة بالمشروعات الاستثمارية، والتعامل بشكل متعسف مع رجال الأعمال، وذلك بالطبع من أجل الحصول على رشوة يتم مقابلها تسهيل استخراج الموافقات المطلوبة، وهى الأوراق التى لا يمكن بأى حال من الأحوال تخطيها أو تجاوزها فى أى مشروع استثمار، وذلك بناء على ما تتطلبه القوانين الحالية التى تنظم مسألة الاستثمار فى مصر.

وهنا تصبح الرقابة الإدارية فى موقع الصدارة، وتصبح هى حائط الصد الأول لمواجهة تلك التصرفات المشينة والجرائم اللاأخلاقية التى يرتكبها عدد ليس قليلا من صغار الموظفين، الذين باعوا ضمائرهم وساروا وراء الشيطان، فاحترفوا طريق الكسب غير المشروع، مما يدعونى إلى القول بأن ما يطالب به السيد الرئيس لم ولن يتحقق دون أن يتم تفعيل دور الرقابة الإدارية المنوط بها القيام بتطهير الجهاز الإدارى من هذا الدنس الذى يرتكبه هؤلاء المرتشون، كما أرى أيضا أن الاعتماد على الرقابة الإدارية وما لديها من كفاءات فى هذا المجال لابد أن يكون بمثابة دستور جديد تسير عليه الدولة فى حربها على الفساد والمفسدين وأصحاب المصالح.

وبالطبع فإن ذلك التوجه لم يأت من فراغ، وإنما نابع من قناعة تامة بأن المرحلة التى نعيشها الآن، والتى تسعى فيها القيادة السياسية نحو تحقيق نهضة حقيقية فى شتى مجالات الحياة تتطلب إجراءات أكثر حزماً مع الفاسدين، ومع كل من تسول له نفسه العبث بمصالح الشعب، وهو ما يعطى لكلام الرئيس أهمية قصوى فى هذا الشأن، حيث نجده فى أكثر من مناسبة قد حذر من تفشى ظاهرة الفساد، وأكد أنه لن يسمح بأى حال من الأحوال بوجود هذا الفساد فى مصر، كما أنه يمتلك من الشجاعة والقوة ما يعينه على قطع دابر المفسدين، لقناعته التامة بضرورة إفساح المجال أمام المستثمرين لحثهم على ضخ استثماراتهم فى مشروعات تنمويد شاملة.

وحينما يتعلق الأمر بالحديث عن هيئة الرقابة الإدارية فإننا نتحدث عن جهاز مهم فى الدولة يضطلع بالعديد من المهام التى تصب جميعها فى هدف واحد وهو التصدى للفساد والمفسدين، حيث يقع على عاتقها عدة اختصاصات تقوم بها فى الجهاز الحكومى وفروعه والهيئات العامة والمؤسسات العامة والشركات التابعة لها والجمعيات العامة والخاصة وأجهزة القطاع الخاص التى تباشر أعمالا عامة، وكذلك جميع الجهات التى تسهم الدولة فيها بأى وجه من الوجوه.

إن قضية الفساد وكونه يمثل حجر عثرة أمام المستثمرين ورجال الأعمال هى قضية متشابكة ومعقدة، وتتخذ أشكالا وأنماطا متغيرة، وأحيانا تقف الوسائل التقليدية حائلا دون إيجاد مواجهة فعالة وقوية، مما يفرض آليات جادة للمواجهة بما يغلق أولا بأول منافذ الفساد، والتصدى لعمليات التحايل التى ينتهجها من انعدمت ضمائرهم، ولكن قبل كل ذلك فإننا فى حاجة ماسة إلى ترسيخ ثقافة مكافحة الفساد بين جموع الشعب.

وحينما أطالب بضرورة التصدى للفساد الذى يعرقل الاستثمار فى مصر ويدفع رجال الأعمال إلى الابتعاد عن السوق المصرية، فإننى لم أطالب بأى استثناءات لأى رجل أعمال، ولم أطالب بتجاوز القانون بأى شكل من الأشكال، وإنما أنا حريص كل الحرص على تبسيط الإجراءات، ومنع ما يقوم به صغار الموظفين من ابتزاز لرجال الأعمال، وذلك بتشديد الرقابة من جانب الرقابة الإدارية، وتهيئة المناخ الذى من شأنه تبسيط الإجراءات وتفعيل القانون بسهولة، بعيداً عن التعقيدات التى تفتح الباب على مصراعيه أمام انتشار ظاهرة الابتزاز التى تفرز أشكال الفساد كافة.

لن أكون مبالغا إن قلت إن المعركة الحقيقية التى يخوضها الرئيس السيسى الآن هى الحرب ضد الفساد، لذا فإنه لا يدع مناسبة إلا ونجده قد تحدث عن خطورة هذا الفساد الذى يغتال خطط التنمية، ولن أذهب بعيداً فى هذا الأمر فعلينا إلقاء نظرة إلى المؤتمر الدولى لدعم اقتصاد مصر الذى أقيم فى شرم الشيخ خلال مارس الماضى، لنجد أن عددا ليس قليلا من المشروعات التى تم الاتفاق عليها خلاله لم تر النور حتى الآن بسبب الفساد الإدارى، وبسبب التعقيدات التى يحترفها البعض من أجل تحقيق مكتسبات شخصية، فتحولت مذكرات التفاهم مع مرور الوقت إلى مجرد حبر على ورق وربما لن ترى النور على الإطلاق بسبب إجراءات روتينية ما تزال تسيطر على الجهاز الإدارى فى مؤسسات الدولة.

لست متجنيا على أحد وإنما أحاول فقط إلقاء الضوء على مشكلة غاية فى الخطورة وهى الفساد، وكيف يمكن أن نتصدى له قبل أن يتفاقم ويتزايد خطره ويصبح من الصعب السيطرة عليه.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة