لكن ليس رجال الدين فقط هم من كانوا أعداء الشاعر بشار بن برد، فقد كان مغرما بصناعة الأعداء، فذات يوم دخل الوزير يعقوب بن داود على الخليفة المهدى وقال له: يا أمير المؤمنين، إن هذا الأعمى الملحد الزنديق قد هجاك؛ فقال: بأى شىء؟ فقال: بما لا ينطق به لسانى ولا يتوهمه فكرى، قال له: بحياتى إلا أنشدتنى! فقال: والله لو خيرتنى بين إنشادى إياه وبين ضرب عنقى لأخترت ضرب عنقى، فحلف عليه المهدى بالأيمان التى لا فسحة فيها أن يخبره؛ فقال: أما لفظاً فلا، ولكنى أكتب ذلك، فكتب، يقول الزنديق ابن برد: خَليفةٌ يَزْنى بعمّاتِهِ/يَلْعَبُ بالدّبُّوقِ والصَّولجَانْ
فكيف لإنسان واحد ضرير يعيش على ما يمنحه الأمراء والحكام يسعى لأن يكون مكروها من الجميع، وأى غربة كان يعيشها هذا الرجل مع نفسه حتى يسعى لهلاكها عامدا متعمدا، والسؤال الأخطر هل كان الهجاء سبباً فى مقتل بشار أم أن الصواب هو ما ذهب إليه دارسو الأدب فى أن تهمةُ الزندقة هى السبب، خاصة أنها كانت وسيلة تطهير معرفى ودينى تلوذ بها مؤسسة السلطة والدين للتنكيل بذوى المعارف التى تثير اضطرابًا فى صفوف العامة، وكانت زندقة بشار ذات أشكال مختلفة فـ"بشار" لم يتورّع عن إظهار نزعته الماجنة فى الحياة العامة.
وكان من سوء حظ "بشار" أن المهدى أراد أنْ يظهر فى مظهر المؤيد للدين المحيى لعقيدة الإسلام، فاتخذ صفات منها، الشّدة فى تقصّى الزندقة فأنشأ ديوان الزنادقة، والإعراض عن الشعر الغزلى، والثالثة إفراطه فى الغيرة على النساء وإغلاظ الحجاب، ليحقق بذلك أنه المهدى المنتظر"
كل أعداء "بشار" تربصوا به وكان المهدى على رأس "السلسلة" فلما أخبروه بأن "بشارا" يؤذن فى وقت ضحى النهار، وهو سكران، أمره بضربه بالسوط فضرب سبعين سوطاً أتلفته، فكان إذا أوجعه السوط يقول: حس - وهى كلمة تقولها العرب للشىء إذا أوجع - فقال له بعضهم: انظر إلى زندقته يا أمير المؤمنين، يقول: حس، ولا يقول: باسم الله؛ فقال: ويلك! أطعامٌ هو فأسمى الله عليه! فقال له الآخر: أفلا قلت الحمد لله؛ قال: أو نعمةٌ هى حتى أحمد الله عليها! فلما ضربه سبعين سوطاً بان الموت فيه، فألقى فى سفينة حتى مات فألقوا به فى الماء، فحمله الماء فأخرجه إلى دجلة، فأتى أهله فأخذوا جثمانه فدفنوه.
موضوعات متعلقة..
الجعد بن درهم.. اتخذه خالد القسرى "أضحية" فى العيد وذبحه فى المسجد
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
نماذج شاذة