الجدل حول قانون مكافحة الإرهاب يأخذ فى كثير من الأحيان منحى خطرا وديماجوجيا، بعيدا عن مغزى الانتقادات الضرورية لبعض مواد القانون، والتى يضر بالفعل بالمكتسبات المتحققة على قلتها من حريات، وفى مقدمتها حرية الصحافة والإعلام والهامش الضيق من حرية تداول المعلومات.
المعترضون على القانون من النقابات المهنية والصحفيين والإعلاميين وأنا منهم، يطالبون بتعديل المواد 26 و27 و29 و33 و37، لمخالفتها صراحة المواد الدستورية الضامنة للحريات الشخصية والعامة، ولخطورتها على مهنة الصحافة وسلامة الصحفيين، فوفق هذا القانون، يمكن حبس أى صحفى عامين لمجرد أنه نشر خبرا من الوكالات العالمية أو من مصدر موثوق قبل أن يصدر بهذا الخبر بيان رسمى، أو إذا تضمن الخبر أى اختلاف عن البيانات الرسمية الصادرة من مؤسسات الدولة.
اللافت أن غير المتخصصين وممن لن يطالهم القانون بصورته الحالية حال تمريره، يعتبرون أن أى معارضة أو انتقاد للقانون هو من قبيل رفض الحرب على الإرهاب، أو وقوفا ضد الحكومة وأجهزة الدولة فى الحرب العادلة ضد الإرهابيين، واللافت أيضا أن عددا من القنوات الفضائية وبرامج التوك شو قد فتحت المجال لغير المتخصصين ليهاجموا ويرهبوا الإعلاميين بأسئلة من قبيل: «إنتو خايفين ليه؟ أنتو مش عايزين تحاربوا الإرهاب ليه؟ إنتو مش على راسكم ريشة، فى دول تانية كتير لا تستأذن قبل إصدار مثل هذه القوانين التى تجهض الحريات لحماية أمنها القومى».
لا أتهم المسؤولين عن برامج التوك شو بلعب دور الإرهابى ضد الصحفيين والإعلاميين المعترضين على القانون، لكنهم فى المجمل أيضا حولوا الموضوع إلى مزايدة رخيصة مؤداها: أنت وطنى وضد الإرهاب أم تفضل الحريات الزائفة على أمن بلدك وأمانه؟ وهم فى ذلك لم يذاكروا القانون ليفهموه، ولم يتركوا الفرصة للمتخصصين والخائفين على الحريات المكتسبة، ليوضحوا للناس أسباب الخوف من القانون وضرورة تعديله لنفوز بالحسنيين: قانون حاسم لمواجهة الإرهاب مع الحفاظ على الدستور الذى أقره الشعب فى2014.
الخطورة فيما تفعله برامج التوك شو من مزايدة رخيصة حول قانون الإرهاب، أنها تخلق حالة من المناخ الديماجوجى الخادع تقتل الخلاف الصحى على الأرضية الواحدة، ولا تقبل إلا بالصوت الواحد حتى لو كان على خطأ، وهو ما يؤدى بالضرورة إلى الديكتاتورية البغيضة. اللهم ارحمنا.