يبدو أن الدكتورة غادة والى وزيرة التضامن الاجتماعى قد ضلت الطريق أو أنها دخلت هذه الوزارة عن طريق الخطأ، فمنذ اختيارها لهذا المنصب لم نر منها أى خطوة إيجابية أو إنجاز على أرض الواقع ينبئ بأننا مقدمون بالفعل نحو تحقيق نقلة نوعية فى مجال التضامن الاجتماعى الذى توليه الدولة اهتماماً كبيراً فى هذه الفترة الحرجة من عمر الوطن ضمن منظومة متكاملة تستهدف فى المقام الأول تحقيق العدالة الاجتماعية، فهى وللأسف الشديد تظهر فجأة وتختفى فجأة، وكأنها لا تعمل وفق رؤى واستراتيجيات واضحة.
وعلى الرغم من أن الدكتورة غادة والى وزيرة التضامن تعى جيداً أنها حينما تولت الحقيبة الوزارية كان أمامها الكثير من الملفات الصعبة والشائكة، وهو ما كان يتوجب عليها أن تعد العدة وتكون على أهبة الاستعداد لفتح تلك الملفات وعلى وجه الخصوص الملفات المعنية بقضايا العدالة الاجتماعية وحماية المهمشين والفقراء، لتكون بذلك صوت من لا صوت لهم فى المجتمع، فوزارتها تضم عددا من الأفرع والأجنحة لقطاعات مختلفة معنية بالحماية الاجتماعية للعاملين من خلال صناديق التأمينات أو العاملين بالدولة فى الصندوق الحكومى، ويكفى للتدليل على أهمية هذا الجانب فى وزارة التضامن أن نعرف عدد من يقع تحت مظلتها والذين يصل عددهم إلى 23 مليون مواطن و500 ألف مؤمن عليهم، و6 ملايين و500 ألف صاحب معاش تتعامل معهم ومن حقهم على الوزارة أن تقدم لهم خدمات على أفضل مستوى من الرعاية والاهتمام.. ولكن وعلى الرغم من كل ما سبق ذكره فى هذا الشأن فإنها غابت تماماً عن كل هذه المفردات التى يجب التعامل معها بكل دقة، بل تحولت تلك الجوانب المتعلقة بوزارة التضامن مجرد كيانات تعمل وكأنها جزر منعزلة أو أنها تسير بقوة الدفع الذاتى للعاملين فيها. ولم تكلف الوزيرة نفسها عناء القيام بواجبها تجاه تلك الفئات «المطحونة» ولم تحاول أيضا ولو على سبيل التجربة أن تبحث عن حلول عملية لتلك المشكلات المزمنة التى ظلت تتفاقم فى وزارة التضامن إلى أن أصبحت بلا أمل فى الحل، وأعتقد أن عدم قيام الوزيرة بالدخول فى دائرة البحث عن حلول لتلك المشكلات فإنه يرجع إلى كونها قد اختارت منذ البداية الطريق السهل وهو المضى قدماً نحو الأضواء والشو الإعلامى الذى كان ولا يزال هو الضمانة الحقيقية بالنسبة لها للبقاء لأطول فترة ممكنة على كرسى وزارة التضامن، ضاربة عرض الحائط بمقتضيات عملها كوزيرة تقع تحت مسؤوليتها مهام جسام تتطلب التركيز والعمل وفق منهج محدد يستهدف فى المقام الأول خلق مجتمع يسوده العدل والمساواة.
إننى حينما أكتب منتقداً الدكتور غادة والى فإننى وبكل تأكيد لم أتعمد التقليل من شأنها أو حتى التلويح بعدم جدوى ما تقوم به من أنشطة اجتماعية بين الحين والآخر، حيث نراها بين الحين والآخر تحرص على تقديم مساعدات إنسانية لتلك الأسر التى تتعرض لكوارث طبيعية أو ضحايا الحوادث الإرهابية، وغيرها من الحالات التى تدخل فى نطاق اهتمامات الوزارة، ولكنها حتى فى هذه الحالات فإنها تقوم فقط بتفعيل توجيهات وقرارات رئيس الوزراء الذى لا يكل ولا يمل من الحركة والسعى الدءوب هنا وهناك من أجل تقديم الدعم والرعاية للأسر المنكوبة وأسر ضحايا الحوادث وكأن رئيس الوزراء مكتوب عليه أن يقوم بمهام عمل بعض الوزراء وفى مقدمتهم بالطبع الدكتورة غادة والى.
واللافت للنظر أنه مع مرور الوقت تحولت المسألة إلى ما يشبه الفعل الروتينى اليومى، حيث لم تجد وزيرة التضامن الاجتماعى أمامها سوى إطلاق تلك التصريحات المتعلقة بتقديم مساعدات لأسر الضحايا وقيام الوزارة بتوفير أقصى درجات الرعاية للأسر المنكوبة بينما نسيت وسط زحمة هذه التصريحات الوردية أهم شىء فى الموضوع كله وهو المواطن الذى قامت من أجله هذه الوزارة التى تعد من أقدم الوزارات فى الحكومات المصرية المتعاقبة، بل إنها من أهمها على الإطلاق، نعم لقد ضاعت حقوق البسطاء وسط هذا الكم الهائل من التصريحات الإعلامية الجوفاء التى تخرج بشكل شبه يومى وتتلقفها وسائل الإعلام وحينما نأتى إلى الفعل فإننا لم نجد شيئا يذكر.
أما الخطر الحقيقى الذى يخرج من داخل أروقة الوزارة ويهدد أمن وسلامة المجتمع ككل هو أن الوزارة وفى غفلة من الرقابة الحقيقية نجدها تغض الطرف عن كيانات كثيرة تعمل تحت مظلتها، وهى فى حقيقة الأمر كيانات تأوى الإرهاب وتصدره لنا كل يوم من خلال أشكال وأساليب عديدة، هذه الكيانات تتمثل فى الجمعيات الأهلية التى تقام تحت مسميات إنسانية وتحصل على دعم سنوى من وزارة التضامن بينما الواقع الفعلى يقول إنها يخرج من تحت عباءتها أفكار العنف والتطرف الدينى وكأنها شيك على بياض منحته وزارة التضامن لجماعات الإسلام السياسى، وكلنا على يقين بحجم الضرر الذى لحق بالمجتمع خلال السنوات الماضية، من جراء سياسة ترك الحبل على الغارب لتلك الجمعيات التى تعمل ليل نهار دون رقابة فعلية.
صحيح أننا نسمع بين الحين والآخر عن تجميد عدد من الجمعيات التابعة للإخوان أو التحفظ على أموال بعض الجمعيات التابعة للإخوان، ولكن هذا ليس كافيا، فمصر من أقصى الشمال لأقصى الجنوب مليئة بتلك الجمعيات التى تعمل على مرأى ومسمع من الإدارات المعنية التابعة لوزارة التضامن، وكأن عددا من موظفى هذه الوزارة قد طالتهم يد الأخونة التى طالت أماكن كثيرة فى وزارات جماهيرية كثيرة خلال فترة حكم هذه الجماعة الإرهابية المحظورة، فإن لم يكن الأمر على هذا النحو فبماذا نفسر هذا الصمت الرهيب والسكوت غير المبرر على جمعيات تعمل لصالح الإخوان والسلفيين دون أن تجد من يتصدى لها من وزارة التضامن باستثناء بعض القرارات التى أخذت حيزا كبيراً من الاهتمام الإعلامى طوال الفترة الماضية.
والغريب فى تعامل وزارة التضامن مع ملف الجمعيات الأهلية أنها تتعامل مع الأمر بازدواجية غير مبررة، ففى الوقت الذى نرى تحركا وإن كان بطيئا ضد الجمعيات التابعة للإخوان وروافدها المتعددة، فإنه يتم تجاهل عدد كبير من جمعيات الحركات السلفية، والتى تشير الإحصاءات الرسمية إلى أنها وصلت إلى نحو 100 جمعية، وهى جمعيات تقوم بأدوار لا تقل خطورة عن الدور الذى يقوم به أعضاء جماعة الإخوان فى الداخل والخارج، فكلنا على يقين بأن السلفيين لديهم رؤى لا تقل قتامة عن رؤى الإخوان.
وبعيداً عن تلك الجوانب السياسية المتعلقة بطبيعة عمل وزارة التضامن الاجتماعى فإننى لا أجد مبررا لأن تتجاهل الوزيرة جهد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى قضية المعاشات، وحرصه على تكريم أصحاب المعاشات، والارتقاء بمستواهم الاجتماعى، فنفاجأ بأن كل ذلك يتحول إلى مجرد سراب على يد الوزيرة التى تتعامل مع هذا الملف المهم بنوع من التجاهل وعدم اللامبالاة.