معروف أن رواية الكاتب العظيم جوناثان سويفت تضع جاليفر مرة فى بلاد الليليبوت، وهم الأقزام الذين لا يزيد طول الواحد منهم على خمسة عشر سنتيمترًا، ودون الدخول فى التفاصيل يجدهم جاليفر مختلفين حول طريقة أكل البيض.. فى النهاية يفر عائدًا إلى إنجلترا، ثم فى رحلة بحرية أخرى إلى الهند يقع فى أرض العمالقة التى بدا فيها بينهم قزمًا تخيفه الزنابير التى هى فى حجم العصافير.. بلد العمالقة طبعًا..
هاتان أشهر رحلتين من رحلاته تحولتا فى السينما إلى أفلام عديدة.. زمان كانت الرواية مقررة علينا فى المرحلة الإعدادية، وكنا سعداء بها جدًا، وحين ظهر فى السينما فيلم «رحلات جاليفر» أخذتنا المدرسة رحلة لنراه ونستمتع.. المهم فى الرحلتين لا يجد جاليفر، وهو فى الأصل طبيب وجراح إنجليزى فى القرن الثامن عشر، نتيجة نهائية لأى سؤال، فالإجابة هنا لا يجدها هناك، وما ينشغل به الحكام والشعب هنا لا ينشغلون به هناك، ومن ثم فإن نسبية الحياة هى المنطق الوحيد المعقول، وليس المطلق الذى لا نقاش له.. أتصور لو أن جوناثان سويفت، كاتب هذه الرواية العظيم، جاء إلى مصر الآن فهل كان سيضيف إلى روايته رحلة أخرى؟
من المؤكد أنه كان سيطفش، وربما تم القبض عليه باعتباره جاسوسًا، ولن يفيد أن يشرح أنه جاء ليفهم شيئًا فى هذا البلد العظيم، صاحب التاريخ الذى يعيش عليه الناس فينسون ما هم فيه.. سيكون هذا أول ما يشغله، كيف يعيش الناس على التاريخ، والزبالة تملأ الشوارع؟، سيجد من يريدون مشروعات كبرى، ومن يربكهم طفل يرتدى تى شيرت عليه شعار وطن بلا تعذيب، أو فتيات يرفعن شعارات ضد قانون التظاهر جالسات على الرصيف.. سيجد من يريدون اجتثاث أصل الإرهاب، ومن يضيعون وقت الشعب فى تخوين كل مختلف فى الرأى.. من يريدون تجديد الخطاب الدينى
ومن لا يريدون لأحد أن يتحدث فى الدين غيرهم.. من يريدون أن تقع مصر فى طريق الحرير وربما التوابل فيما بعد، وكانت طرقًا أسطورية فى التاريخ، ومن لا يستطيعون إصلاح دائرى المريوطية.. ليس هذا فقط، فليست مصر منقسمة بين هذين النوعين، فبينهما من يختلفون على طريقة أكل البيض، وبين من يلتهمون البيض بأى طريقة.. بينهما جماعات أخرى تكره انتقاد البيض لأنه أبيض كالنهار، وترى البيض مفتاحًا لحل مشاكل البلاد، ومن يرى أن من علامات الإعجاب بالبيض الصمت على أى شىء تفعله الدولة أو الحكومة، فقانون مثل الخدمة المدنية يجعل الموظفين رهن رؤسائهم، وليس أعمالهم، ولا تجب معارضته لأنه من علامات البيض الأبيض ومن يعارضه أخوانى أصفر، والأمر نفسه فى قوانين كثيرة لن أتحدث عنها حتى لا تفسد خيالى، وسأعود إلى جاليفر أو جوناثان سويفت
أظن أنه لم يكن سيكتب شيئًا عن رحلاته، ولن يرفع راية النسبية.. كان سيتحول إلى الكاتب دانيال ديفو ويكتب رواية «روبنسون كروزو»، فمن يطلق العنان لأفكاره فى مصر الآن سيرى نفسه فى جزيرة وحده، غريبًا يحتاج عشرات السنين ليجد من يحدثه عن شىء آخر غير البيض.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة