فى كل عام، وفى شهرى يوليو وأغسطس، يبدأ موسم الحج إلى الساحل الشمالى، كثير من المصريين يذهبون لقضاء أيام أو أسابيع فى مئات القرى التى تطل على المتوسط، وأصبحت تشكل شريطا ممتدا من العجمى وحتى العلمين، ويبدو أن الشريط سيمتد فى المستقبل إلى مرسى مطروح وربما إلى السلوم!!
شريط من الكتل الأسمنتية والمساحات الخضراء التى تتفاوت فى جمالها وأشكالها ورموزها الطبقية..
مارينا ومراسى تحتلان قمة الهرم الطبقى، الأولى للأسف أنشأتها وزارة الإسكان والتعمير التى يفترض ألا تبنى أو تعمر منتجعات لبعض المصريين، بينما الوطن يعانى أزمة إسكان شعبى ومتوسط، أما بقية قرى الساحل فتأتى فى منزلة أدنى من مارينا ومراسى، وإن كانت هناك استثناءات لذلك فستجد أن سكان الساحل يمارسون التمييز والتعالى الطبقى فيما بينهم بطرق وأشكال مختلفة بداية من اسم القرية ومكانها، وانتهاء بنوعية السيارات أو الملبس أو طرق الأنفاق، مرورا بالسهرات والتردد على المطاعم وطريقة الحديث واللغة المستعملة، حيث يفضل البعض التحدث بالإنجليزية! لكن المؤكد أن أى مواطن يمتلك شاليها أو قصرا أو شقة فى الساحل لديه شعور ما بالتفوق الطبقى على بقية أفراد المجتمع، فلديه متنفس على البحر أو قريب منه يستطيع أن يذهب إليه فى أى وقت من السنة، لكن الحقيقة أنه لا يذهب سوى أسابيع قليلة ويسدد مبالغ محترمة سنويا مقابل صيانة وحراسة ما يملكه فى الساحل.
المهم أن يمتلك فى الساحل، بغض النظر عن القيمة الاستثمارية أو الاستعمالية له، فالمواطن الساحلى يشعر بأنه متميز أو على الأقل ليس أقل من أثرياء مارينا!! وأحيانا يخدع نفسه أو أسرته بالقول إنه ادخار للأولاد واستثمار جيد، وهذا غير صحيح بالمرة، لكن هذا الخداع هو الذى حرك قطاعات واسعة من المصريين لطلب شراء مساحة ما فى الساحل الشمالى، حتى وان كانت فى قرية عشوائية أو مشروع على شكل عمارة سكنية تطل على البحر. والكارثة أن هذه المقولات، علاوة على حملات الإعلانات، لاتزال شغالة ومؤثرة وستدفع مزيدا من المصريين لشراء وحدات فى قرى العين السخنة وبالقرب من مرسى مطروح، كما ستسمح للأسف بتكرار كارثة الساحل الشمالى فى راس سدر. وهنا لابد من تدخل الدولة لوقف نزيف الاستثمارات فى الساحل والعين السخنة ورأس سدر وغيرها.
ليس من المنطقى أو الأخلاقى السماح لمئات الألوف من الأسر المصرية احتكار حق التمتع بشواطئ البحرين الأبيض والأحمر، بينما يحرم بقية المصريين، لأنهم غير قادرين على الشراء أو الإيجار، ومن المؤكد أن أغلبية المصريين لم تذهب إلى الساحل أو العين السخنة بالرغم من أن البحر والشاطى حق لكل المصريين، وأرجو من الدولة مراجعة سياسات وقرارات بناء مزيد من القرى والمشروعات على شواطئنا كى يمتلكها مصريون لا يستعملونها طوال العام، ولا تستخدم لجذب أو تشجيع السياحة الأجنبية، وهنا لابد من المقارنة بين عوائد الاستثمار فى قرى الغردقة وشرم الشيخ، وعوائد ما جرى فى الساحل والعين السخنة ويجرى فى رأس سدر. أرجوكم كفانا تبديدا فى مدخرات المصريين وأولويات الدولة، ولنعمل معا من أجل توظيف تلك المدخرات فى مشروعات تنموية كبيرة على غرار قناة السويس الجديدة.