هو نفسه جزء من تاريخ وسط البلد فى القاهرة المدينة الشابة العجوز، وهو أيضا مؤرخها الذى يبدو أحيانا مثل مؤرخى القاهرة فى فترات مدها وجزرها، كابن إياس والمقريزى والجبرتى، جالسا كحارس هذا الكيان الغامض المعقد البسيط والفاتن «وسط البلد». مكاوى سعيد يجلس على بوابة افتراضية بوسط البلد ليسجل كل داخل وخارج وكل شاردة وواردة، ويعيد تقديمه بخيال يبهر حتى الذين عايشوه.
مكاوى سعيد صاحب مشروع روائى يؤرخ لعالم وسط البلد، وكل ما يدور حولها، ويمر بهذا المركز المزدحم المتحرك الهادئ كسطح بحر يختزن الوحوش والضحايا. ثم إن مكاوى قادر على التقاط تفاصيل صغيرة تقود لتفاصيل أكبر فى تاريخ الطبقة الوسطى والمثقفين، وهم فئة ليست محددة الجغرافيا والتاريخ.
وما زلت أقرأ روايته الجديدة «أن تحبك جيهان»، مشغولا أيضا بروايته «تغريدة البجعة»، وكتابه القصصى «مقتنيات وسط البلد» والذى يبدو اسمه وكأنه تاريخ لجماد ومقتنيات من التحف والأنتيكات والكتب واللوحات، لكنه تأريخ لبشر، أشبه بالمقتنيات، مثقفون وفنانون كانوا مشروعات لمبدعين أو اختزنوا مشروعات كبرى واختفوا فجأة من دون اكتمال، لكن مكاوى لم يتعامل مع مقتنيات باردة جامدة إنما كبشر يتحركون ويمتلئون صخبا وطموحا.
مكاوى سعيد فى تغريدة البجعة كان يؤرخ لنهايات مراحل وبدايات مراحل أخرى، التقط عالم مثقفى وسط البلد العلنى، وعالمه الموازى ممثلا فى أطفال الشوارع، وكان أكثر من قدموا هؤلاء الأطفال كبشر وليس فقط كائنات هامشية، وهو ما فعله فى «مقتنيات وسط البلد»، وربما بدرجة أخرى مع «أن تحبك جيهان» الرواية الأحدث التى يصعد فيها مكاوى مرحلة أكثر اتساعا ليؤرخ للطبقة الوسطى من المثقفين، الذين تختلف بداياتهم عن نهاياتهم، يختفى منهم من يختفى، ويصعد من يصعد، وتستمر الحياة رغما عن الجميع.
مكاوى سعيد يعمل على مهلٍ، بدأب صياد وحكمة عطار ودقة جواهرجى، ينحت وجوه شخصياته فيكشف عن أعماقها، ومن عالم «ريم وجيهان» يواصل التأريخ لمراحل انتقالية، وتقلبات الزمن والأشخاص، كأنه يحرص على تأريخ لخيالات وطموحات، يلتقط شخصيات من النسيان، ليعيد تشكيلها فى بناء محكم.
مكاوى روائى صاحب مشروع، روائى وأديب يبدو دائما فى موعده، وما نزال نقرأ روايته «أن تحبك جيهان»، وكأى صاحب مشروع يمكن أن نقرأ الأعمال فرادى، أو أن نراها ضمن سياق متصل، يبنيه الكاتب بدأب وخيال. يبدو فيها وكأنه حريص على بث الروح فى مقتنيات البشر ليمنحها روحا تواصل التحليق بها. وبعد أن ننتهى من مطالعة روايته الجديدة نعود لعالم مكاوى سعيد الملىء بالغموض والمتعة والعمق والحنين.