أما القضاء الطبيعى والاستثنائى فهو معروف بالضرورة، لكن القضاء الأخطر والأشد والأكثر دمارا فهو قضاء السوشيال ميديا «فيس بوك وتويتر». أن يحول البعض مساحات التعبير إلى مشارط وسكاكين. القضاء الفيسبوكى، لا يستمع إلى شهود، لا ينتظر تحقيقات أو دفاع، يقرر إعدام المتهم ثم يطلب فتح التحقيق.
قضاء ليس فيه استئناف أو نقض وإنما حكم بالإدانة يستند إلى شائعات، «قالوا لى.. سمعت..».
وخلال الشهور الماضية تفرجنا على عشرات من حالات القتل العمد بأحكام « سوشيالية»،. ومن المثير للهرش والتلبك، أن كثيرا من الزملاء يتورطون فى هذه «الميغة» ويدبجون المقالات والبوستات، جالسون بكل بلهنية خلف شاشات الكيبورد.
قضية زميلتنا أمانى الأخرس فى «اليوم السابع» لم تكن أول قضية من هذا النوع، أحدث نموذج للاغتيال المعنوى بمشاركة مصاصى الدماء. أصدر كثيرون أحكامهم على أمانى من دون أن يستمعوا لها أو يمنحوا أنفسهم فسحة مهنية من التى يطالبون بها، وعدد من مشاهير الزاعقين بالمهنية، أصدروا أحكاما مكتوبة، بالقتل.
وصل الأمر بزملاء يعيشون خارج مصر، أن ينضموا للحملة ومارسوا الاتهامات المجانية «عميانى» من دون نظرة فى مرآة المهنية العميقة، وبقايا مبادئ يتغرغرون بها ليل نهار.
تسأل عن دليل عند أى ممن أصدروا قرار اتهام وإدانة الزميلة أمانى الأخرس فى قضية القبض على الزميل مصور جريدة التحرير، لن تجد غير «سمعت.. قالوا لى..»، ولما ظهر الزميل قال إنه لم يتهم أمانى، ولم يوجه اتهاما لها، وإن هناك من سأله وقال له، ومع هذا لم يشعر مرضى التواصل بأى تأنيب ضمير.
وكعادة مجتمع فيس بوك مشى المرضى منه وراء الكلام وأصدروا أحكاما نهائية، ثم طالبوا بالتحقيق. بعض الزملاء فى صحف ومواقع وبرامج مارسوا انتقاما غير مبرر. ومن دون أى وجع للضمير أو أكلان فى خلايا «المهنية الملتهبة». وبعضهم بنى على هذا «القالوا لى» تحليلات، ولم يتوقف أى منهم وهو يضرب بالسنجة والمطوة ليسأل نفسه: هو فين الدليل أين الدليل؟.
زملاء فى مجلس نقابة الصحفيين سارعوا بالإدانة، وطلبوا التحقيق، وملأوا الدنيا كلاما، وبعضهم مشى فى جنازة المهنية وأصدروا الحكم قبل المداولة، وبعد أن شهروا وتكلموا طلبوا تحقيقا. الزميلة «التحرير» لا تتورع عن إفراد صفحات شاسعة للإدانة ونشر صورة الزميلة، وسكرتير أو وكيل النقابة يصدر قرارا بمنع الزميلة من دخول النقابة، ثم يطلب التحقيق. وبعض أعضاء مجلس النقابة يواصلون اتهاماتهم فى الفضائيات والسوشيال بلا خجل، ومن دون أن يرمش له جفن أو رمش أو حاجب. ومن مدهشات المضحكات أن زميلا يدير موقعا شهر بالزميلة، فى موقعه وبرامجه، ثم اندهش من أن تسأل «اليوم السابع» عن أدلة، صدمه أن يطلب أحد المهنية. هذا هو حال القضاء السوشيال، الذى يحكم بالإعدام ويطلب التحقيق.
أكرم القصاص
فى قضية «أمانى».. قضاء «فيس بوك» يحكم بالإعدام ثم يفتح التحقيق!
الخميس، 20 أغسطس 2015 08:19 م