زمان قالت لى جدتى: «ما تقعدش مع نفسك كتير»، ولم أعرف سبب النصيحة، ربما لأننى كنت طفلا منطويا، وعندما كبرت اكتشفت أن أقرانى دون المستوى، وعندما نضجت اكتشفت أننى أعيش وهما كبيرا اسمه «الأنا»، إنك لن تبلغ الجبال طولا. حاولت أن أصادق كل أنواع البشر. فاكتشفت كما يقول سارتر «إن الآخرين هم الجحيم»، وكما يقول ابن الرومى فى جلسته مع المتصوف الأعظم شمس التبريزى: «لا تغرنك الوجوه واتبع قلبك، خلف بعض الوجوه نفوس من نفث إبليس، فاحذرها ودع روحك تنير لك السبيل»، ويقول: «إن هناك النفس الراضية تلك نعمة، وهناك النفس المطمئنة، تلك سنام الرضا، ويقين الإيمان، وهناك، والعياذ بالله، النفس الطماعة، وقرينتها النفس الدنية، من الدناءة أو الحضيض، ومن صفاتها التكالب على الدنيا الدنيئة والتبذل والنفاق، ومصاحبة ذوى السطوة والمال للانتفاع بهم والكذب، ونكران الجميل ونقض العهد والغدر والخيانة»، وللأسف عندما أنظر حولى أجد أن المرء محاصر بهذا النوع من البشر، هؤلاء يعرفونك عندما تقبل الدنيا، ويغرفون من خبر جعلك الله سببا فيه، وعندما تعطيك الحياة ظهرها تجدهم تبخروا بسرعة البرق، وإذا وجدت فردا منهم ذكرك بخير فاعلم أن نفسه كبيرة وبيئته راقية، وهو من الراضين المرضيين ممن قال فيهم المتنبى: «إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإذا أنت أكرمت اللئيم تمردا».
طيب لو أننا نعلم طبيعة اللئيم والخسيس فلماذا نحزن؟ أهو غباؤنا الذى يجعلنا نتصور أن الحشرات ستغير طبيعتا البيولوجية أم العقرب سيدعك تنام هادئا عندما تدفئه فى حضنك؟! إنها طبيعة الحياة التى لا نعطى لأنفسنا فرصة لتدبرها، منذ خلق الله آدم كان فى الجنة ينعم بنعمه، وكان سعيدا بذاته حتى وسوس له الشيطان، فاشتكى لربه حاله، وأنه يريد من يؤنس وحدته، فخلق له حواء من ضلع أعوج، وفرح بها أول الأمر، وشكر ربه ثم كان أن أكلا من الشجرة المحرمة، وكان نصيبه الطرد ليخرج معها للأرض، بعضهم لبعض عدو. كان آدم كاملا فى الجنة، وكانت حواء بالتبعية كاملة حتى سولت لهما نفسهما أنهما سيبلغان السعادة والهناء بالأكل من الشجرة والنتيجة أنهما تحولا ناقصين على الأرض، كل منا له شجرة يتصور أنه بالحصول عليها سيصير أسعد مخلوق على الأرض. معظمنا يرى فى المال شجرته، آخرون يرونها فى المنصب أو الجاه أو الشهرة أو الأولاد أو الأطيان أو الفلل، ومن يحرم من شجرته يعيش فى تعاسة الحرمان وبؤس الطلب، لذلك قال سيدنا على، كرم الله وجهه: «من طلب شيئا صار عبده، ومن زهد فى شىء صار نده»، من وقت لآخر حاول أن تحصن نفسك بقراءة وجوه من حولك، ولا تغرنك الحياة مهما أقبلت، ففى إقبالها فراق لراحة البال، وقانا الله وإياكم. اقرأ نفسك من وقت لآخر «وهَيِّس» معاها بلغة اليومين دول، والأيام دول، نداولها بين الناس.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
رامي
اهلا أستاذ غيطي