ما يحدث من وقفات احتجاجية نفاجأ بها هنا وهناك تحت عدة مسميات ولأسباب غير منطقية، أمر يدعو للأسى والأسف على ما وصل إليه حال بعض فئات المجتمع، فهل هذا هو الوقت المناسب لعودة الاحتجاجات والمظاهرات والتلويح بالإضراب عن العمل؟ وهل تستحق الدولة التى تنفذ العديد من المشروعات التنموية كل هذا الجحود ونكران الجميل من جانب بعض فئات المجتمع؟!
وهو ما يدعونى إلى القول بأن ما نراه الآن لم يأت من قبيل المصادفة بل هو- بكل تأكيد- خطة خبيثة تستهدف «خلخلة» أركان الدولة وزعزعة الاستقرار المجتمعى، حيث إن الغالبية العظمى من تلك الفوضى «غير الخلاقة» التى شاهدناها على مدى الأيام القليلة الماضية لا تستهدف فقط الحصول على بعض الامتيازات، كما يردد البعض أو كما يقول أصحابها، إنهم يدافعون عن حقوقهم، فأى حقوق تلك التى يتحدثون عنها وسط هذا الانفلات الذى ما يجب ألا يمر دون أن تكون هناك محاسبة لكل من يتجرأ على هيبة الدولة؟!
إننى أرى أن تلك الاحتجاجات والدعوة إلى التظاهر هى فى حقيقة الأمر بمثابة ثورة على مؤسسات الدولة فى ظل ما يردده البعض بأن هناك فجوة بين المطالب المجتمعية المتصاعدة من ناحية وبين القدرات الاستيعابية المحدودة لتلك المؤسسات من ناحية أخرى، فى ظل استنزاف الموازنة العامة وتحويل الجزء الأكبر منها فى مجالات إعادة ترميم البنية التحتية التى أفسدتها الصراعات السياسية التى كانت وما تزال سبباً رئيسياً فى «خيبة الأمل» التى تخيم على رؤوس الجميع، وخطورة هذا النوع من الاحتجاجات أنها تبدأ فى سكون مرحلى، ولكن سرعان ما نفاجأ بانفجارها فى لمح البصر لتصبح أكثر حدة وأكثر خطورة، فهى تنتشر من مكان إلى آخر وكأنها «ميكروب» يصيب كل من يقف فى طريقه بالعدوى الفورية.
وعلى الرغم من ارتباط بعض الوقفات الاحتجاجية المتصاعدة مؤخراً بمطالب تكاد تكون ثابتة تتمثل فى مسألة تعديل الأجور وتثبيت العمالة المؤقتة وتطهير المؤسسات من القيادات الفاسدة فإن هناك سبباً آخر وراء ظهور تلك الموجة من الاحتجاجات يتمثل فى ارتفاع حدة الصراع بين جميع التيارات السياسية التى تحرض بعض ضعاف النفوس على التظاهر.
وهنا أتوقف قليلاً أمام مسألة الصراعات السياسية باعتبارها المحرك الرئيسى، على الأقل، فيما يحدث الآن لتلك الظاهرة «السلبية» فهل هى مصادفة أن يتكرر نفس المشهد الذى يحرض على التظاهر ضد الحكومة الذى عشناه فى عام 2011 حينما كان المجلس العسكرى مكلفاً بإدارة شؤون البلاد عقب تنحى مبارك، حيث وصلت الاحتجاجات والمطالب الفئوية ذروتها وقت أن كانت تحركها أيدى جماعة الإخوان، وقت أن كانت تخطط وترتب لإثارة الفتن والمؤامرات من أجل إحراج المجلس العسكرى آنذاك وإظهاره فى صورة الكيان «الضعيف» الذى لا حول له ولا قوة، فكانت النتيجة أن علت الأصوات وتجرأ «كل من هب ودب» على النظام الحاكم بل والتفت أيضاً الغالبية العظمى من البسطاء و«المغيبين» حول هذه «الجماعة» التى استطاعت فيما بعد بالغش والخداع الوصول إلى سدة الحكم، مما جعلها تتحول إلى «عصابة» كادت تغتصب وطنا بأكمله وهو أمر لم يعد خافياً على أحد.
ومن خلال متابعتى للمظاهرات والوقفات الاحتجاجية التى شاهدناها مؤخراً فإننى أكاد أجزم بأن هناك بالفعل أيادى «خبيثة» تحرك تلك الوقفات الاحتجاجية التى بدأت تظهر على السطح فى أعقاب صدور قانون الخدمة المدنية، وأيضا فى أعقاب قيام بعض أمناء الشرطة بتلك الوقفة الاحتجاجية التى تمت فى محافظة الشرقية، تلك الأيادى ليس خافيا على أحد أنها تجسد بشكل كبير تغيرا استراتيجياً فى تحركات أعداء الوطن الذين تحولوا مؤخراً من مرحلة المواجهة وتنفيذ العمليات الإرهابية وجها لوجه إلى مرحلة جديدة تماماً وهى تحريك المظاهرات والاحتجاجات الفئوية من وراء الستار، وهو ما يدعونى إلى القول بأن هناك أصابع اتهام تشير إلى أن بقايا «الإخوان» ما زالوا يمارسون هوايتهم المفضلة فى استخدام هذه الأنواع المريبة من «الاحتجاجات» التى، للأسف الشديد، تكون فى ظاهرها مشروعة ومنطقية وربما تبدو أهدافها نبيلة، إلا أنها تحمل فى باطنها أغراضاً هدامة وتخدم مصالح «جماعة» انتهت وتم حظرها بل إنها أصبحت مجرد ذكرى مؤلمة لا أحد يحب سماع اسمها بأى شكل من الأشكال.
لذا فإننى أطالب بضرورة اتخاذ مواقف حاسمة وأكثر صرامة ليس فقط مع هؤلاء الذين يخونون الوطن ويقومون بتلك المظاهرات ويشاركون فى هذه الاحتجاجات، وإنما أرى ضرورة أن يمتد العقاب ليشمل هؤلاء «المحرضين» والذين يقفون خلف تلك الاحتجاجات ويبررون هذه النغمة التى بدأت تتردد مؤخراً بالحق فى التظاهر لتوصيل أصوات المظلومين عبر وقفات احتجاجية، والذين يحاولون بشتى الطرق تشويه صورة القانون الذى ينظم «التظاهر».
لقد كنت وما زلت أطالب بعدم التعامل مع هؤلاء بأسلوب «الطبطبة» الذى كان متبعاً من قبل، وأرى أهمية تفعيل قانون التظاهر للضرب بيد من حديد على هؤلاء المتجاوزين فى حق المجتمع ككل، وأعتقد أن قانون تنظيم التظاهر، فى حالة تنفيذه كما يجب أن يكون، فإنه سيحقق بكل تأكيد الاستقرار لمجتمع يعيش حالة حراك على مستوى رفيع، وفى كل المجالات.. فبأى منطق يكون هناك قانون ينظم تلك المسألة بينما تترك الدولة كل من هب ودب يعيث فى الأرض فساداً ويقوم بتنظيم مظاهرة حسب هواه وحسب ما يحقق له مصالحه الخاصة حتى لو كانت تلك المصالح تتعارض مع المصلحة العامة للوطن؟!
إننى حينما أطالب بتشديد العقوبة على كل من ينفلت ويحاول ضرب استقرار الدولة فإننى أستند هنا إلى أن أسلوب «التهاون» وعدم «الشدة» فى تنفيذ القانون الذى لم نجن من ورائه من قبل سوى المزيد من الانفلات و«قلة الأدب» المرفوضة مجتمعياً الآن من كل فئات الشعب، فكل فئات المجتمع ترى رأى العين ما يتحقق على أرض الواقع من إنجازات لا يمكن بأى حال من الأحوال تجاهلها أو التقليل منها، وهو ما يجعل الناس ترفض تماماً عودة تلك التصرفات غير المسؤولة التى تبتلع الكثير من الإنجازات.
والغريب فى هذا الأمر أن تخرج احتجاجات بعض أمناء الشرطة فى الشرقية من جهاز الشرطة الذى هو فى حقيقية الأمر بمثابة صمام الأمان لاستقرار الوطن، فهل يمكن أن ينسى أحد الدور المهم لجهاز الشرطة ورجالها الشرفاء الذى كان سبباً فى نجاح ثورة 30 يونيو؟، وهل يمكن أن ينسى أحد ما يقوم به رجال الشرطة بشكل يومى وما يقدمونه من تضحيات كبيرة فى حربهم المقدسة ضد الإرهاب والإرهابيين وخير دليل على ذلك هذا العدد الكبير من الشهداء من أبناء الشرطة الذين يتساقطون يوما بعد الآخر برصاص الغدر والخسة على يد عصابات الشر الإرهابية الممولة من الداخل والخارج؟!
أقولها وبأعلى صوت.. هيبة الدولة خط أحمر لا يجب بأى شكل من الأشكال السماح لأحد بأن يتخطاه ويتجاوزه، فهيبة الدولة هى صمام الأمان لمصر الجديدة التى تتشكل ملامحها الآن على يد الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى لم يأل جهداً من أجل إعادة الاعتبار لمصر فى الداخل والخارج.