أنا ممن يضعون معيارا بسيطا أوليا لجودة النص الأدبى، وهو أن يدفعنى فى قراءته إلى قول: «الله، الله» مع آخر كلمة فيه، تعبيرا عن إعجابى بما قرأت وعايشت.
هو معيار تلقائى فى التذوق لا يخضع لـ«كلكعة» ومتحرر من القيود، والأهم أنه يكون مفتاحا لتأمل النص بعد الوقوع فى أسره، وربما لا يخضع إلى قواعد نظرية فى علم النقد الأدبى بكل مدارسه ومصطلحاته التى تحول النص أحيانا إلى حالة معقدة، بالرغم من أنه هو فى الأصل سهلا ورطبا وجميلا، ويغذى الإحساس بلغته ومضمونه وأحداثه، وقدرته على أن يجبرك على تأمل ما وراءه، بعد أن تكون عايشت أحداثه على الورق، وكأنه حقيقة أمام ناظريك.
تعمقت لدى هذه الحالة بفضل أساتذة عظام فى النقد الأدبى أفتخر بأننى كنت من تلاميذهم، وأسمع منهم تحريضا على تذوق النص الأدبى بهذه السهولة الممتنعة، وعلى رأس هؤلاء الأساتذة الدكتور الطاهر أحمد مكى، والدكتور محمود الربيعى، كما وجدتها فى آخرين، أبرزهم الراحلون الدكتور على الراعى، وفاروق عبدالقادر، وإبراهيم فتحى، أطال الله فى عمره.
وبهذه الحالة أقرأ إبداعا لمبدعين أحبهم، ومن هؤلاء «مكاوى سعيد» الكاتب الروائى الذى أهدتنى روايته الرائعة «تغريدة البجعة» الصادرة عام 2007 معرفة أكبر وأعمق بعالمه الإبداعى الذى يصنعه من شخصيات محملة بتفاصيل الحياة اليومية، فتبدو وكأنها تسير أمامك وتعيش معك.
كان ذلك عام 2007، وأذكر أننى تلقيت «تغريدة البجعة» منه دون معرفة مسبقة عبر صديقى وصديقه الجميل الشاعر ياسر الزيات، وأخذتنى بدهشة كبيرة، والتهمتها فى أيام معدودة، حتى قلت فى نهايتها: «الله، الله» وكتبت عنها، ثم تكرر قولى: «الله، الله» فى «فئران السفينة»، ثم كتاب «مقتنيات وسط البلد»، ثم كتاب «كراسة التحرير» ومجموعته القصصية «البهجة تحزم حقائبها»، وأخيرا روايته «أن تحبك جيهان» الصادرة قبل أسابيع عن «الدار المصرية اللبنانية»، وهو بهذا الوصف ليس أبا لنجاح واحد، وإنما نجاحات متعددة، سواء فى فن الرواية بشكل خالص، أو فى فن الحكى الواقعى، كما فى كتاب «مقتنيات وسط البلد» و«كراسة التحرير».. ونستكمل.