ينتمى الملا عمر أمير المؤمنين ومؤسس الإمارة الإسلامية فى أفغانستان إلى الجيل الأول من الحركة الإسلامية الجهادية، فهو من مواليد 1954 أى أنه من نفس جيل أيمن الظواهرى وأسامة بن لادن وغيرهما ممن أسسوا حركة الجهاد فى مقاومة محاولات الاحتلال لبلدان العالم الإسلامى، سواء الاحتلال السوفيتى لأفغانستان أو الاحتلال الأمريكى لها بعد عام 2001 وحتى الآن.
قاد الملا عمر إحدى الجبهات ضد الاحتلال السوفيتى، وتقلب فى العديد من الحركات المقاومة للاحتلال الروسى لبلاده، ومن ثم فقد تمرس بأعمال القتال أكثر من تضلعه فى العلوم الشرعية التى لم يستكملها بسبب نفرته للجهاد ضد المحتل الشيوعى لبلاده، ينتمى لقومية البشتون وهى القومية القطب والمركز فى التكوين الاجتماعى والسياسى فى البلاد، والبشتون أحناف ديوبنديون والديوبندية اتجاه إسلامى نشأ فى دلهى بالهند عقب الثورة الإسلامية فى الهند ضد الاحتلال البريطانى عام 1857، أى أن الديبوندية نشأت فى سياق صراع مع محتل لبلاد المسلمين، حيث كان يحكم الهند قبل الاحتلال البريطانى لها حكام مسلمون، ومن ثم فإن التقاليد القومية البشتونية الصارمة تلاقت مع الديبوندية مع ترجيح لاجتهاد معين فى المذهب الحنفى يعمل به وحده، كل هذا يفسر الطبيعة الشخصية والحركية للملا عمر الذى حقق الأمن فى أفغانستان وسيطر على البلاد وحكمها منذ عام 1996.
فقد الملا عمر إحدى عينيه فى مقاومة الاحتلال الشيوعى لبلاده، وامتنع تماما عن مقابلة الصحفيين وكان يكره التصوير والإعلام، واعتبر أن أضيافه العرب وغيرهم من المجاهدين الذين جاءوا إلى أفغانستان لتحريرها والمشاركة فى مقاومة المحتل الروسى ذوى مكانة خاصة جعلته يرفض تسليمهم رغم الإغراءات المادية، وقد صبر على بن لادن ومن معه من زعماء القاعدة كثيرا وتسامح معهم رغم أنهم لم يلتزموا بتحذيراته بعدم استخدام بلاده منصة لعمليات خارجها فى مواجهة الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، بايعه بن لادن كأمير للمؤمنين بيد أن تنظيم القاعدة ظل على استقلاله النسبى فى علاقته بحركة طالبان، ولعب التنظيم دورا كبيرا بلا شك فى نقل خبراته العسكرية للحركة التى تمثل رقما صعبا فى المعادلة السياسية الأفغانية لا يمكن تجاوزها أو بناء حكم مستقر فى البلاد بدونها.
بقاء الملا عمر أميرا لحركة طالبان حافظ على وحدتها وتماسكها، فالرجل له كارزيما قوية وله تاريخ مقاوم وسابقة فى الجهاد تشهد بها عينه، كما كان تعبيرا عن الصلابة فى التفاوض مع الأمريكان الذين داخوا بعد مجيئهم إلى أفغانستان وهزموا هناك بعد إسقاطهم للحركة فى عام 2001 بعد عمليات 11 سبتمبر، وتشير سيرته الذاتية إلى الزهد والانتصار للعدل والفقراء والمستضعفين، وهو ظل فى قندهار لم يغادرها أبدا، ومن ثم كان وجوده أحد أهم أسباب تماسك الحركة وبقائها موحدة، بيد أن الحركة بعد موته تواجه تحديات أهمها الانشقاقات فى الحركة لصالح تنظيم داعش الذى يرى أن دولة خلافته هى الدولة الوحيدة الشرعية، وأن أميرها هو خليفة المسلمين الذين يجب عليهم جميعا بيعته، وتشير المعلومات من أفغانستان بالفعل إلى انضمام قيادات من طالبان إلى داعش، وأنهم يؤسسون معسكرات فى مناطق نفوذ طالبان لجذب المزيد من الأنصار، كما أن الاشتباكات بين الطرفين تتزايد وقد أرسلت طالبان إلى أبى بكر البغدادى تطالبه بكف أنصار دولته عن اختراق الحركة والدخول معها فى مواجهة لأن ذلك يصب فى مصلحة المحتلين الأمريكان والحكومة المنتخبة غير الشرعية - فى نظر طالبان.
التحدى الآخر الذى يواجه الحركة هو كيف سيتصرف الملا منصور اختر نائب الملا عمر وقائد الحركة الجديد تجاه التفاوض مع الأمريكان والحكومة الجديدة، وحفاظه على مطالب الحركة وتوجهاتها الرئيسية واستراتيجيتها، خاصة ما يشار إلى علاقة قوية بالقائد الجديد للحركة بباكستان والتى تدفع طالبان إلى التفاوض مع الأمريكان، كما تسعى لخلق نظام متوافق مع سياسات باكستان فى أفغانستان.