الحلم بـ«سنغافورة»

كتبت قبل أيام عن النهضة الاقتصادية الهائلة فى سنغافورة التى يزورها الرئيس عبدالفتاح السيسى، ونقلت جانبا مما قاله لى العالم المصرى الأمريكى الدكتور طلال عبدالمنعم واصل عن تجربة هذا البلد الصغير (5 ملايين نسمة)، ومع ذلك يعد من أكبر الدول فى الابتكار والتطوير والبحث العلمى.

لماذا نجحت سنغافورة وماليزيا، وتجارب أخرى فى حين نفشل نحن؟، ويحدث هذا بالرغم من الفرق الذى يعد فى صالحنا بين هذه البلدان وبيننا، من ناحية المساحة الجغرافية وعدد السكان والموارد الطبيعية، وتزداد الحيرة حين نعرف أن دولة مثل سنغافورة نالت استقلالها عام 1965، وقبل هذا التاريخ لم يكن لها وجود كدولة مستقلة ثم جرى استعمارها، وفى نفس العام الذى استقلت فيه كانت مصر تبنى صناعات هائلة وطموحة فى مجالات متنوعة، وكانت لها صناعات عالمية، كالنسيج والأغذية المحفوظة.
سؤالى عن نجاحهم فى شرق آسيا، وفشلنا هنا، يتداخل فى إجابته عوامل متنوعة، وشخصيا حملت هذه السؤال إلى خبراء قبل سنوات للحصول على إجابة، وكان اللافت فيها اتفاق الجميع على أن منطقتنا فيها إسرائيل، وهناك لا توجد إسرائيل، وبقدر وجاهة هذا الأمر وقيمته، إلا أن قراءة تجارب هذه الدول من الداخل ومقارنتها بتجاربنا على نفس الصعيد لم يكن حاضرا بما فيه الكفاية، وانتبهنا مؤخرا له، وهنا تأتى أهمية قراءات عالم بوزن الدكتور طلال عبدالمنعم واصل، الذى ينبه إلى أن تقدم سنغافورة جاء بعد قراءة علمية دقيقة من مؤسس هذا البلد ورئيس وزرائها «لى كول» لتجارب دول العالم المتقدم، واستقر الأمر على أن يتم التركيز على ثلاثة مجالات هى «علوم الحياة» و«التكنولوجيا الرقمية» و«التكنولوجيا النظيفة» بالإضافة إلى مجالات البحث والتطوير العسكرى.

ولضمان تحقق القفزة العلمية المطلوبة تم وضع خطة قومية للتعليم المدرسى قبل الجامعى على أساس أنه لن يتحقق بحث علمى متقدم طالما لا يوجد تعليم أساسى متقدم، وبناء على ذلك أصبح التعليم المدرسى فى سنغافورة الأول فى العالم من حيث قدرات القراءة والعلوم والرياضة.

نعم إسرائيل ورم خبيث فى منطقتنا، لكن نحن نخاصم المستقبل بإيدينا بتدهور تعليمنا المدرسى والجامعى، والاستهتار بالبحث العلمى، وسيادة منطق الفهلوة، وعدم احترام القانون، ولأننا نصنع هذا بإيدينا تستفيد إسرائيل، ولأن سنغافورة لم تفعله تقدمت.