لمن لا يعرف المادة 35 فى قانون مكافحة الإرهاب، فإنها تنص على توقيع «غرامة لا تقل عن مائتى ألف جنيه ولا تتجاوز خمسمائة ألف جنيه لكل من تعمد بأى وسيلة كانت، نشر أو إذاعة أو عرض أو ترويج أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أعمال إرهابية وقعت داخل البلاد أو عن العمليات المرتبطة بمكافحتها، بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع، وذلك كله دون إخلال بالعقوبات التأديبية المقررة».
«وفى جميع الأحوال للمحكمة أن تقضى بمنع المحكوم عليه من مزاولة المهنة لمدة لا تزيد على سنة إذا وقعت الجريمة إخلالاً بأصول مهنته»، أى أن المواطن العادى الذى سينشر أو يعرض أو يروج لأخبار غير حقيقية تخالف بيانات وزارة الدفاع سيغرم من 300 إلى 500 ألف جنيه، وهو مبلغ كبير سيجعل أى مواطن يفكر مليون مره قبل أن ينشر شيئا أو يعيد نشر شىء يقع تحت طائلة القانون، أما الصحفى فسينال نفس الجزاء، إضافة إلى أن المحكمة قد تمنعه من مزاولة المهنة لمدة لا تزيد على سنه، وهو نوع من التمييز بين المواطنين، كما أن النقابة– كما يقول زملائى وأصدقائى فى نقابة الصحفيين- هى صاحبة الحق فى توقيع هذا الحرمان، لذلك فإنهم سيطعنون فى دستورية الفقرة الأخيرة من المادة 35!!
الأهم من كل هذه المماحكات القانونية والنقابية، أن تعبير العمليات المرتبطة بمكافحة الأعمال الإرهابية واسع جدا ومطاط، وبالتالى فإن أى صحفى سيؤثر السلامة ولن ينشر أى أخبار عن عمليات إرهابية أو مكافحتها، لأن الغرامة كبيرة، ولن يتحملها أى صحفى أو أى صحيفة أو موقع أخبارى، ما يؤثر ولاشك على حرية الصحافة وعلى قدرتها على منافسة وسائل الإعلام الأجنبية التى ستنشر ما تشاء وتحقق السبق الإخبارى، لأن المادة 35 لا تطولها، ولا القانون المصرى كله!! وهنا تظهر سوءات المادة 35 وفشلها فى منع نشر الأخبار عن العمليات الإرهابية والعمليات المرتبطة بها بما يخالف بيانات وزارة الدفاع، لأن كثيرا من وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى التى تعمل من خارج مصر ستنشر كما تشاء، وخذ مثلا الجزيرة وأخواتها وإعلام الإخوان والجماعات الإرهابية، علاوة على كل وسائل الإعلام الأجنبية التى ليس لها مكاتب معتمدة أو مراسلين داخل مصر، الخلاصة أن العقل البيروقراطى القديم الذى فكر فى المادة 35 وصاغها نسى أن العالم تغير وأن الإعلام تعولم، ولم يعد كما كان من نصف قرن، يحترم الحدود ويخاف من السلطة
صحيح أن بعض وسائل إعلامنا أخطأت فى تغطية بعض الهجمات للإرهابيين على مواقع عسكرية فى سيناء، لكن الخطأ يمكن معالجته بجهود بسيطة، وبالحوار والتعاون مع وزارة الدفاع لاعتماد عدد من المحررين العسكريين والتنسيق معهم بشكل دائم ومستمر، وأقول لصاحب فكرة المادة 35 إنك تدفع الجمهور المصرى لمتابعة أخبار الأحداث الإرهابية من وسائل إعلام أجنبية كثير منها معاد لمصر، ليس لأنه جمهور غير وطنى- لا سمح الله- لكنه جمهور يحب معرفة كل الأخبار ومن أكثر من وجهة نظر، وهو سلوك طبيعى فى عصر عولمة الإعلام وتعددية مصادر الأخبار وتناقضها.