الراقصتان شاكيرا وبرديس أصبحتا من أبطال اليوتيوب والأخبار فلكل منهما أغنية مصورة «أنيل» من الثانية «الفلفل والكمون، ويا واد يا ثقيل» وكلاهما متهمتان بالتحريض على الفسق والفجور والترويج للعرى والانحلال، من خلال تقديم كليبات خادشة للحياء والحياة. وإذا تم إثبات هذه التهم ومحاكمتهما عليها فإن ذلك سيفتح أبواب جهنم من كثرة القضايا التى يمكن رفعها على المغنيات والراقصات وأحيانا الفنانات فالتجاوزات كثيرة «حدث ولا حرج»، وهناك العشرات من الكليبات الغنائية أو الراقصة لفنانين معروفين يجب أن يحاسبهم عليها القانون تطبيقا لمبادئ العدالة والمعاملة بالمثل، فالكثير من الناس مازالت تعتقد أن أى مشهد للرقص أو العناق والتقبيل يحرضهم على الفسق والفجور ويروج لهم العرى والانحلال. والبعض قد يرى فى نصف الأفلام والأغانى ما يخدش حياء بيته ويساعد على انفلات أبنائه. الموضوع نسبى وخلافى وما تراه أنت فنا قد يراه الآخرون دعارة. نعم، لا خلاف على التهم الموجهة لـ«الفلفل والكمون»، وفعلا هذا انحطاط وسفالة يروجوها تحت اسم الفن، ولكن الكثيرين الآن يفعلون ذلك فى الأغانى والأفلام، بل أحيانا فى البرامج. «ولو كل واحد عزل عشان تحته رقاصة البلد كلها هتبات فى الشارع».
على أى حال، أتصور أن تكون هذه القضية إشارة بأن الدولة والمجتمع يرفضان بشدة هذا الانحلال الذى يطلق عليه زورا «فن»، فالفن لو تخلص من النبل والرقى والهدف تحول إلى جريمة فى حق كل من يشاهدونه أو يؤمنون به. يصبح أداة للهدم ووسيلة للسقوط فى القاع بدلا من الارتقاء والسمو.
وللأسف لم تعد هذه الكارثة مسؤولية العاملين فى المجال الفنى بقدر ما صارت مسؤولية المشاهدين. ففى كل العصور كان للانفلات الفنى جمهوره، ولكن الآن لم يعد للفن الحقيقى مكان. فالشعب الذى احتفى بـ«النظارة السوداء» و«جمهورية ميم» و«الأيدى الناعمة»، نراه الآن يقف بالصفوف ليحصل على تذاكر فى أفلام العنف والوحشية أو العرى والإسفاف ويترك الأفلام الهادفة خاوية مهددة بالانقراض. هذا الوطن الذى كان يسهر كل أسبوع مع أم كلثوم، ويحتفل بأغانى عبد الحليم وعبد الوهاب باع ذوقه لأصوات الحيوانات. لا أعرف، للأسف، كيف نرتفى مرة أخرى بالذوق العام؟ وكيف نعود لأمجادنا الحقيقية فى الأفلام والغناء؟ كل ما أعرفه كلمة سارتر «الارتقاء معادلة بين الفن والناس».