نقاد: الموريسكى الأخير "بكائية" فنية للماضى والحاضر

الخميس، 06 أغسطس 2015 02:00 ص
نقاد: الموريسكى الأخير "بكائية" فنية للماضى والحاضر جانب من الندوة
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
شهد المركز الدولى للكتاب حفل توقيع رواية "الموريسكى الأخير" لـ"صبحى موسى" وذلك بحضور عدد من الكتاب والنقاد والمثقفين المصريين، وشارك فى المناقشة التى أدارها الشاعر محمد الحمامصى كل من الناقد الدكتور محمد السيد إسماعيل، الذى أكد أنه يعرف صبحى موسى منذ سنوات طويلة، ومتابع لمشروعه الثقافى منذ بدأ شاعراً فأنجز عدداً من الدواوين المهمة فى إطار قصيدة النثر، حتى فاجأنا بكتابته الرواية، وتأكدت خطواته فيها بنشره أكثر من عمل جاد ومهم.
وأضاف "إسماعيل" أن مشروع "موسى" الروائى يكاد ينطوى على مشروع تاريخى واضح، تأكد من خلال روايته قبل الأخيرة "أساطير رجل الثلاثاء" التى رصد فيها واقع جماعات الإسلام السياسى ومنطلقاتهم الفكرية والثقافية الحاكمة لرؤيتهم فى الحياة، وهو رصد مبكر للواقع الدامى الذى نعيشه الآن، ثم كانت روايته الأخيرة "الموريسكى الأخير" التى تعد واحدة من الروايات المهمة التى اعتمدت على تقنية تفتيت الزمن، إذا يتعدد الزمن إلى درجة التفتيت، وقد لعب موسى على فكرة الخطين المتوازيين ـ القديم والحديث ـ معا طيلة النص، محاولاً ليس استعراض التاريخ ولكن فهم الواقع الذى نعيشه الآن، معرفة تكويننا الثقافى الذى يحكمنا فيجعلنا نتخذ اتجاه دون عينه،وننحاز إلى فكرة دون أخرى، وهو ما سعى إليه موسى فى روايته الساعية لكشف ما الذى جرى للثورة المصرية من خلال ما جرى للموريسكيين قديماً.

وأضاف "إسماعيل" أن هذه ليست رواية بكائية لكنه رصد فنى محايد لفكرة إنسانية تماماً وهى فكرة الجيتو، وكيف يتكون وبما يعتقد وفيما يفكر وما الذى يصيبه من أزمات وما الذى يحكمه فى الوعى والتفكير، هذه رواية إنسانية بدرجة كبرى حتى وإن اختفت خلف ادعاء جدران التاريخ.

بينما تحدث الشاعر عماد غزالى، عن أن رواية الموريسكى الأخيرة رواية مهمة بالفعل لكنها لم تخل من هنات، كأن يستخدم المؤلف فى أحد المشاهد كلمة دالت وهو يقصد كلمت آلت، وكأن يرصد فى الفصل الأول مشهد هبوط الإف 16 على ميدان التحرير مصوراً بطل العمل وهو يطل برأسه من شبك الطائرة لقائدها، أو أن قائد الطائرة يراه من خلال شاشة أمامه، وهذا خطأ علمي، وقال الغزالى أن الرواية بالفعل ترصد واقع الموريسكيين وكيف تشتتوا من بلادهم، وأن هذه واحدة من الماسى الإنسانية الكبرى فى التاريخ، وأن المؤلف بذل جهداً كبيراً فى رصد تاريخ الموريسكيين على مدار نحو خمسمائة عام، وما الذى حدث لهم خلال هذه السنين الطوال.

أما الناقد الدكتور أحمد الصغير فقال، إنه ينحاز لصبحى موسى كروائى أكثر من شاعر، حتى وإن رأى آخرون العكس، فكل يرى وفقاً لثقافته ورؤاه، وأنا أجده تمكن من أدوات الرواية أكثر من الشعر، وأختلف مع ما قاله عماد غزالى، فالمشهد فى الفصل الأول هو مشهد فنتازى يحتمل التأويل أكثر من هذا، ولا يمكن اعتباره مأخذا على النص، فنحن أمام واحدة من الروايات الكبرى، استخدم فيها الكاتب أكثر من تكنيك، ورصد العديد من الوقائع التاريخية، وانشغل بخلق عالم أسطورى كبير يتلائم مع الحدث الكبير الذى يرصده، وكانت له فلسفته فى استخدم كل هذه التقنيات، فقد استخدم ضمير الأنا أثناء رصده للماضى، وذلك على لسان محمد بن عبد الله بن جهور، بينما استخدم ضمير الأنا وهو يرصد الواقع الراهن من خلال حكيه عن مراد بن يوسف بن حبيب الموريسكى، وهو آخر الأحفاد والموريسكيين المنحدرين من صلب عبد الله بن جهور، واخترع موسى معادلات فنية مهمة كأن يجعل من روح أو شبح عبد الله بن جهور بمثابة العين الراعية للموريسكيين المنحدرين من نسله، وكأن يجعل من مراد رساماً تشكيلياً مثلما كان جده محمد بن عبد الله بن جهور نحاتاً للتماثيل فى طليطلة، وهى رواية لا يمكن الوقوف أمامها سريعاً، إذ أنها غنية بالتفاصيل والوقائع والعوالم والشخصيات والأساليب والتقنيات، وقد بذل فيها موسى جهداً كبيراً فى إنجازها على هذا النحو الفاتن.

وقال الناقد الدكتور محمد زيدان، إن هذه الرواية بمثابة بكائية كبرى لواحدة من المآسى التاريخية المؤلمة، وقد حشد فيها المؤلف التراجيديات التى تجعلنا نشعر أننا أمام بكائية لهذا الماساة، لكن موسى تمتع بالذكاء الفنى الذى جعله يخلق نصاً حيادياً، فضلاً عن انشغاله بالعديد من القضايا الثقافية، خاصة مسألة البحث عن الهوية، تلك التى سعى الكاتب لتتبعها عبر مسار عائلة الموريسكي، وكيف انحدرت من عبد الله بن جهور إلى أن وصلت إلى الموريسكى الخير مراد يوسف حبيب، وقال أن الرواية لا تدعونا للبكاء بقدر ما تدعونا للتأمل ومعرفة واقعنا الراهن وموقفنا الثوري، كما تدعونا لتأمل مستقبل الربيع العربى على وقع ما جرى فى الأندلس.

فى النهاية تحدث الكاتب صبحى موسى عما أسماه بأسرار الموريسكى، موضحاً أن كل عمل له أخطاؤه وهناته، ولا يوجد عمل مكتمل، ومن ثم كانت تفكيره فى أن يكون هذا الحفل بمشاركة الذين قرأوا العمل قبل نشره وبعد نشره، كى يوضحوا لنا كيف يتطور العمل الإبداعي، وكيف يستجيب المؤلف للملاحظات أو يرفضها، لكن الأمر لم يسر كله وفقاً لما تمناه أو تصوره، وأضاف أن هذا العمل معنى بمناقشة فكر الأقليات وإشكالياتهم الثقافية، فضلاً عن أنها رواية البحث فى الموقف من التراث، هذا الذى يشبه غرفة مليئة بالكرايب لا نعرف ما الذى نحتاجه منها وما الذى يجب لن نحتاجه، لكننا نحملها كلها على أكتافنا ونمشى بها طيلة الوقت، من ثم فنحن بحاجة إلى معرفة موقفنا النقدى من تراثنا، هذا الذى يتحكم فى خطواتنا إلى المستقبل، والذى يحكمنا منذ جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر، فالبعض يكلمنا عن العودة للسلف الصالح كى ننهض، والبعض يحدثنا عن الأخذ بآليات النهضة الحديثة، ومازل هذان الاتجاهن يتصارعان، هناك ايضاً أفكار مثالية كالنقاء العرقي، وبعض القبائل مازالت تحرم الزواج من غيرها، مما يجعلهم راغبين فى خلق أساطير تحافظ على هذه القوانين، وهى أساطير معطلة للتطور الثقافي، هناك أفكار ميثالية عن النقاء الدينى أو الصواب الديني، وكل فترة يأتى أناس يزايدون على غيرهم بأنهم الأصوب والأكثر إيماناً، كما يفعل الداعشيون الآن، وكما فعل محمد بن عبد الوهاب، وكما فعل الموحدون الذين زايدوا على المرابطين فى الأندلس، ودخلوا فى حروب ضارية معهم، واستعانون بالأسبان عليهم، وفرطوا فى الثغور الأندلسية فى مقابل أن يساعدهم الأسبان أو القشتاليون فى الانتصار على المرابطين، وهذا ما يحدث الآن، وهذا مأزق الخريطة العربية فى لحظتنا الراهنة، ومن ثم فالموريسكى الأخير ليس فقط رصد لمأساة أناس يجب أن يتم رد اعتبارهم ومنحهم حق العودة لبلادهم ولكنها أيضاً محاولة فهم الصناديق السوداء فى تاريخنا، ومعرفة الأخطاء المختفية فى عقله الباطن وكيفية تحكمها فى تفكيرنا الراهن ونحن نتخذ قرارنا بشأن مستقبلنا وواقعنا المعاش.


موضوعات متعلقة..


مثقفون:"الموريسكى الأخير" ثوب فنى بديع تمنح القارئ المتعة والمعرفة








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة