الخط المستقيم أقرب مسافة بين نقطتين، لكنه فى واقعنا السياسى هو مسافة بعيدة بين عقليتين، ومن الصعب على العقل الطبيعى مثلا أن يتفهم كيف يفكر أعضاء «داعش»، لكن أيضا تفهم تفكير من يشجعونهم، ويعتبرون «الدعشنة» من الإيمان.
وربما كان من ميزات مشروع قناة السويس الجديدة أنها خلقت نوعا من النقاش العام المفيد خاصة بين هؤلاء الذين انشغلوا بالبحث عن إجابات للأسئلة، وليس الذين تمسكوا بوجهة نظر رافضة أو مؤيدة بلا منطق.
فقد حاول المهتمون أن يتواجهوا بالأدلة، وكانت هذه الأدلة أغلبها من مقالات أجنبية أو آراء خبراء مجهولى المنشأ والهوية، ويبدو أنها بالفعل عقدة تتعلق بالثقة فى الموضوعات والأرقام المنشورة فى الصحافة الأجنبية حتى لو كانت مجرد نقل من مصادر ضعيفة فى الداخل، فنجد أغلب المعارضين ينقلون من موضوع واحد حول قضية واحدة تتم ترجمة المقال وإعادة كتابته وتعبئته وتغليفه فى زجاجات وعلب وكبسولات وأقراص.
وهناك تقديس من بعض المنبهرين لأسماء الإفرنجية حتى لو كانت مجهولة، وحبذا لو كان الكاتب مشهورًا نوعًا ما، فيساعد المقتبسين على بناء التفكير الاقتنباسى ببراعة وطرحه فى عبوات مختلفة الأحجام والألوان.
لا يتعلق الأمر بقناة السويس فقط، وفى قضية القناة بالذات كان هناك إفراط فى المبارزة بالمقالات الأجنبية من بعض المعارضين والمؤيدين بشكل يكشف عن عقدة لدى قطاع من النخب الموجودة لدينا التى تبدو أحيانا كأنها لا تثق فى نفسها أو فى آراء لخبراء ومفكرين محليين يحمل بعضهم خبرات ودراية أكثر من الخواجات، لكن «زامر الحى لا يطرب».
فتجد السادة المتحاورين وهم يتبارزون بالمقالات التى تحمل توقيعات لكتاب أجانب عن قضايانا وبعضها يكون مليئًا بالمعلومات المغلوطة أو يستند لمصادر ضعيفة وتدوينات قصيرة من شبكات التواصل الاجتماعى. والعيب ليس فى فيس بوك وإنما فيمن يحملون عقدة المترجمات ويسارعون لترجمة مواد قديمة أو مغلوطة، ربما إرضاءً لغريزة النميمة والشائعات التى تتسع يوميا وتغذيها رغبة لخلق مناقشات ومناوشات، غالبا ما تكون قائمة على الاستسهال والسطحية.
نعم الناس لديهم أسئلة مشروعة حول مشروع قناة السويس الجديدة، أو غيرها، لكنهم لا يجدون إجابات واضحة، الأمر الذى يدفعهم للبحث عنها فى عالم الشبكة، الذى تتعايش فيه الأكاذيب مع الحقائق، نعود للقول إن من ميزات أدوات التواصل أنها توفر بجانب الشائعات والأكاذيب حقائق، وقدرة على الدخول فى مواجهات ناجحة مع الكذب، ثم إن الأدوات بالفعل تصبح مكانا لمواجهة الأكاذيب، والشرط هنا هو التخلى عن عقدة الخواجة فى التعامل مع المشروعات الكبرى أو الشأن الداخلى بشرط إتاحة مساحة من الحرية تكفى وتزيد.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة