إغلاق جريدة التحرير اليومية، وأى جريدة، صدمة لأى صحفى أو مشتغل، لأنه خصم من مساحات الهواء، وبصرف النظر عن التبريرات. ومهما كانت النظريات والبيانات، «ما يحس بالنار إلا اللى كابشها»، إغلاق الصحف له وقع أليم، وكموت الفجـأة. ومن جرب أن تغلق على يديه وقلمه أبواب الصحف يحتفظ بشعور مرعب. «لم يعد هناك» الذكريات والآراء والضحكات والدموع.
الألم أكثر لأصحاب التجارب الأولى الذين رأوا الصحيفة تكبر على أعينهم، صدمة أول موت وأول حب. مع الوقت سوف تتضاعف مناعتهم، لكنهم لن ينسوا، ويوما ما سوف يسخرون من هذه الأوقات التى تصبح باردة تذكرهم أنه لا أمان، لأن أحدا لا يملك، والقرار فى يد أخرى، والأمان الأكبر فى الوظيفة بصحيفة عامة تمنح أمانا أكثر وطموحا أقل، معادلة تبادلية معقدة وغير متاحة.
المحترفون يتوقعون الزلازل، يشمون رائحة السكتة التى تتجاوز الأرزاق. ومن يمكنه الصمود يستمر، ويصبح أقوى مع ندب التجارب المجهضة. يتساقط البعض فى الطريق، ومن يستمر حامل ندوب حتى بعد الانتقال لمكان آخر.. الأهم أن يكون الواحد فى جماعة، تتساند وتسخر تضحك تواجه الخوف من خطوات قادمة غامضة، والذين اعتادوا إغلاق الصحف وتنقلوا بين صحف ومكاتب بعضها فوق الأرض والبعض تحتها أو تحت السلم، اعتاد بعضهم تحاشى الارتباط بمكتب أو مكان، والإغلاق مثل صدمة الحب الأول، ذكريات البشر والحكايات يكون هناك وقت للتذكر لا يتوفر والواحد مشغول.
الزملاء فى جريدة «التحرير» سوف تظهر تجارب أخرى، بأشكال مختلفة، نحن فى فترة انتقال قاسية، المهم ألا تنصتوا لغير مجموعكم، ولا لمن يريدون الطفو على مآسيكم، تسندون على بعضكم. الحياة أكثر احتمالا مع زملاء أصدقاء محبين، الظروف اليوم ربما تكون أفضل من أيام كانت الصحف تغلق ولا يبقى سوى التجار والسماسرة وبير السلم. اليوم هناك آفاق مختلفة، وإن كانت غير واضحة.
من الصعب التوصل لنظريات مفيدة أو مريحة حول أسباب إغلاق صحيفة. الحقيقة الوحيدة أن الصحفيين لا يُستشارون فى القرار بالرغم من أنهم الأكثر تضررا، ليس من حقهم التملك ولا التدخل. نقابة الصحفيين أقصى ما تقدمه أن تبكى ببيان، تتفاوض لتحسين شروط الدفن، الواقع يحتاج إلى تغيير القوانين بما يضمن تأمينا جماعيا ضد البطالة وضد الإغلاق المفاجئ، لأنه بالقانون الصحفى ليس من حقه أن يتملك فى صحيفة، بينما كل المهن من حقهم أن يتملكوا.
ربما تكون الصحافة المطبوعة تواجه اختبارا فى مواجهة الإلكترونى، لكن الصحافة بأشكالها المختلفة تتوسع، وحتى الصحافة الورقية سوف تتكيف، لكنها لن تنتهى الآن. وانظروا لبريطانيا وأوروبا. على الزملاء فى التحرير ممن ودعوا صحيفتهم، ألا ينتظروا من يفسرون الماء بعد الجهد بالماء، لكن التضامن الحقيقى أن يسعى الصحفيون لضمانات قانونية تمنع الموت الفجأة للصحف، وألا يصبح الصحفى فى مهب الريح.