مفارقة مدهشة تتزامن مع زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى جولته الخارجية الحالية، للدول الآسيوية الثلاث سنغافورة والصين وإندونيسيا، فمصر هى أول دولة اعترفت رسميا ودبلوماسيا بالدول الثلاث عند استقلالها، سواء قبل ثورة يوليو أو بعدها فى مرحلة المد القومى وتأسيس منظمة دول عدم الانحياز ومنظمة الدول الإسلامية، فالقاهرة أول من اعترفت باستقلال سنغافورة عن ماليزيا عام 66 وزيارة الرئيس لها هى أول زيارة لرئيس مصرى لهذه الدولة الصغيرة التى حققت طفرات اقتصادية مهولة فى زمن قصير.
وقبل سنغافورة كان الاعتراف بالصين عام 56 وإندونيسيا عام 47، ولم تكن مصر أول دولة عربية فقط تعترف بالدول الثلاث وإنما كانت أول دولة أفريقية أيضا، ولذلك فالدول الثلاث تحتفظ لمصر بموقفها التاريخى، وتميزت العلاقات بين الجانبين بالاستقرار والتعاون فى كل المجالات، ولم تتخلَ الدول الثلاث عن القاهرة فى أزماتها ومعاركها وكانت - ومازالت - الداعم لها دائماً.
وارتضت تلك الدول مع الدول الأعضاء فى عدم الانحياز أن تكون لمصر بزعامة عبدالناصر الدور القيادى والريادى، والدولة التى يتشاور معها باقى الأعضاء فى كل المجالات والاستماع إلى رأيها والثقة فى قرارها.
وهناك موقف شهير للتدليل على ذلك، ففى عام 62 وقع الاختيار على إندونيسيا لاستضافة دورة الألعاب الآسيوية، وكانت إسرائيل من بين الدول التى لا بد أن تشارك فيها وفقا للوائح اللجنة الأولمبية الدولية، قبل أن تنضم للاتحادات الأوروبية، ووجدت إندونيسيا نفسها فى مأزق سياسى ورياضى، واتصلت الخارجية الإندونيسية بالسفارة المصرية لأخد رأى القاهرة وجمال عبدالناصر ولبحث عن حل للخروج من المأزق. جاء الرد من القاهرة بطمأنة جاكرتا بتنظيم الدورة بدون مشاركة الكيان الصهيونى، مارست مصر ضغوطها على اللجنة الدولية الأولمبية وهددتها بانسحاب كتلة دول عدم الانحياز من عضويتها إذا أصرت على مشاركة إسرائيل. نجحت ضغوط عبدالناصر وانتصرت الإرادة المصرية وأقيمت الدورة ولم تشارك إسرائيل، بل لم تشارك مطلقا بعد ذلك فى أية نشاطات وفعاليات رياضية وشبابية فى آسيا واتجهت إلى أوروبا. هكذا كانت مصر وهكذا كان دورها الطبيعى بين أصدقائها فى دول عدم الانحياز.
ماضى العلاقات بين مصر والدول الثلاث يدعم حاضرها رغم فترات الانزواء والغياب، وسنغافورة والصين وإندونيسيا حققت طفرات اقتصادية وتجارب تنموية مهمة يمكن الاستفادة منها فى التجربة المصرية الجديدة.