منذ انفراط عِقد الاتحاد السوفيتى واجهت روسيا العديد من التهديدات أهمها وأخطرها الإرهاب، ومخاطر اقتصادية كبيرة، فقد شهدت روسيا أكثر من عشرين تفجيراً وهجوماً إرهابياً خلفت مئات القتلى والجرحى منذ عام 1995 فى مناطق شمال القوقاز ومنطقة الشيشان، فقد وضع الرئيس ديمترى خمسة مبادئ أساسية لمكافحة الإرهاب، أولاً: تعزيز قدرات الأجهزة الأمنية الداخلية والخارجية ومساعدة المحاكم.
ثانياً: إنزال ضربات استباقية قاصمة للإرهابيين وتدمير مراكز تجمعهم وتدريبهم.
ثالثاً: تطوير الاقتصاد والتعليم والثقافة ومساعدة القادة الدينيين للقيام بدورهم فى هذا الصدد.
أما عن الجانب الاقتصادى خرجت روسيا بعد بيع القطاع العام بتطبيق نظريات اقتصادية تقوم على تحرير التجارة وإزالة نظام تسعير السلع وخفض الإنفاق الحكومى وخصخصة مؤسسات الدولة والانضمام إلى المؤسسات المالية والاقتصادية من أجل الحصول على المساعدات اللازمة لنجاح عملية التحول، وقد انضمت روسيا إلى صندوق النقد الدولى عام 1992، وأن هذه النقلة السريعة من الاقتصاد الاشتراكى إلى سياسة الخصخصة وتبنى الاقتصاد الرأسمالى سبب الكثير من الفوضى للاقتصاد الروسى بجانب الفساد الذى كان مستشرياً فى مفاصل الدولة، فقد بيعت مؤسسات الدولة بأثمان بخسة للبيروقراطيين والمافيا والشركات الأجنبية، ولم يصب التدهور الاقتصادى وحده بل إن القطب الروسى على صعيد السياسة الدولية فى بداية حكم «يلتسن» قد تراجع كثيراً وبدا للكثير أن الدولة الروسية أصبحت تابعة وملحقة بالسياسة الأمريكية وللغرب، فقد مرت روسيا فى العقدين الماضيين من فوضى سياسية واقتصادية واجتماعية وقبلت بالتفرد والزعامة للدور الأمريكى وفقدان روسيا قوتها السياسية ونفوذها الإقليمى والدولى.
وبعد تسلم «بوتين» السلطة فى عام 2000 أعلن أن روسيا لا يمكنها استعادة مكانتها كقوة كبرى والحفاظ على استقلالية قرارها الداخلى والخارجى طالما ظلت معتمدة على ما تتلقاه من مساعدات خارجية وبإمكانها الاعتماد على مواردها الذاتية وأن تتوقف تماماً عن الحصول على مساعدات أجنبية، وبالفعل تحسن أداء الاقتصاد الروسى منذ عام 2000 وحقق نموا قدره 6.9% حتى أغسطس عام 2003، وأعلنت روسيا التزامها بدفع الدين الخارجى عام 2002 والذى يقدر بـ 17.3 مليار دولار وقد كان لهذا تأثيره المباشر فى قبول العضوية الكاملة لروسيا فى مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى لتتحول إلى مجموعة الثمانية عام 2002، وقدم بوتين ورقة عمل جديدة لسياسة روسيا الخارجية تدور حول تطوير دور روسيا فى عالم متعدد الأقطاب لا يخضع لهيمنة قوة عظمى واحدة، مع العمل على استعادة دور روسيا فى آسيا والشرق الأوسط وعدم السماح للغرب بتهميش الدور الروسى فى العلاقات الدولية.
ويشهد الخبراء والمحللون السياسيون أن العالم يشهد بوادر إقامة نظام دولى جديد ينهى معه نظام الأحادية القطبية التى هيمنت على العالم لمدة عقدين للولايات المتحدة الأمريكية، وسيطرت فيها على صنع القرار الدولى، فروسيا تفرض واقعاً جديداً فى العلاقات الدولية باتجاه إقامة نظام التعددية القطبية، فقد أصبحت روسيا مؤهلة من ذى قبل لأن تلعب دوراً فى السياسة الدولية بعدما شهدت الكثير من الاستقرار السياسى الداخلى وفى تطورها الاقتصادى. يعود لنهج الابتعاد عن اشتراطات صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، ويؤكد على أهمية تحكم الدولة بالاقتصاد والإنتاج والتوزيع بما فيها توزيع الثروة.
فهل السيد رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى يسعى للاحتذاء بالتجربة الروسية ومتأثر بها ومعجب بسرعة عودتها فى أقل من عقدين من الزمن بقوة لبناء اقتصاد حر قوى، وبزوغها فى الساحة الدولية وتأثيرها على صنع القرار الدولى؟
هذا هو لقاء القمة الرابع بين الرئيسين عبدالفتاح السيسى وفلاديمير بوتين فى أقل من خمسة عشر شهراً، فروسيا أحب أن أطلق عليها - صديق وقت المِحن - دائماً تسعى منذ القدم إلى أى تقارب مصرى بانفتاح، سواء فى مجال العلاقات العسكرية أو الاقتصادية أو على الصعيد الدولى - فهى الدولة الوحيدة التى صنفت جماعة الإخوان المسلمين - كجماعة إرهابية فى ذات الوقت الذى كنا فى مصر عقب أحداث 25 يناير تم السماح لهم بإنشاء حزب دينى وتمكنوا من السيطرة على مجلس الشعب حتى وصلوا إلى سُدة الحكم.
نعم سيدى الرئيس عبدالفتاح السيسى فنموذج التجربة الروسية فى مجالى مكافحة الإرهاب والنمو الاقتصادى المذهل فى وقت قياسى جدير بالاحترام والتقدير والإعجاب، فنحن بحاجة شديدة للاستفادة من التجربة الروسية وخاصة أنها مشابهة تماماً لوضعنا سواء فى مجال مكافحة الإرهاب وكيفية بناء اقتصاد حر قوى كى نتعلم منها ونستفيد من إيجابياتها وسلبياتها فى كل المجالات، وخاصة تطابق نموذج القطاع العام والخصخصة فى كلتا الدولتين وما أصابهما من عوار سواء فى إدارتها أو بيعها بأبخس الأثمان، فالسياسة الاقتصادية الداخلية لروسيا وضعت القطاع العام بيد القطاع الخاص ولكن موجه من قِبل الدولة منضبط مع سياستها الداخلية وتحت مظلة وإشراف الدولة وبسط رقابتها عليه بشكل يحمى كل الطبقات الاجتماعية، وعلى رأسهم الطبقة الفقيرة دون توحش القطاع الخاص وفرض سيطرته على آليات السوق.
فهو نموذج اقتصادى ناجح وفعلاً أعاد آليات السوق فى يد الدولة مع جذب قطاع رؤوس الأموال الأجنبية والمحلية للاستثمار فى الاقتصاد الروسى واطمئنانه إلى مصداقية الدولة فى تطبيق القانون وعدالة ناجزة تضمن له استثماراته وأمواله وتدفعه إلى زيادتها فى الاقتصاد الروسى.
فمنظور القطب الروسى مرة أخرى فى منطقة الشرق الأوسط قد يعيد الاستقرار فى تلك المنطقة المشتعلة والملتهبة بما يوجد التكافؤ فى العلاقات الدولية، خاصة أن حقبة العقدين الماضية التى مر بها العالم فى ظل نظام القطب الأوحد أدت إلى عدم عدالة هذا النظام. فهى تجربة جديرة بالاهتمام والمتابعة كى نتعلم منها ونسعى إلى تطبيقها بخطوات سريعة متلاحقة كى تنهض مصرنا الحبيبة من كبوتها بأسرع وقت. فأنت مُحق سيدى الرئيس بإعجابك بالدب الروسى الذى بات على أعتاب استعادة هيبته المنزوعة واسترداد أمجادها على أكثر من صعيد سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، لا سيما بعد التحسن الكبير الذى شهدته روسيا وإعادة ترميم الصناعة العسكرية الروسية بشكل يضاهى السابق.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة