بلغة سينمائية بليغة تناول الفيلم السورى «الأم» الذى عرض بمهرجان الإسكندرية السينمائى فى دورته التى انتهت أمس الأول الثلاثاء للمخرج السورى باسل الخطيب، خيوطا درامية متوازية لأسرة سورية تعيش بإحدى القرى فى ريف سوريا بعد الثورة، وهى الأسرة المكونة من أم وثلاثة بنات ديمة قندلفت و نورا رحال ولينا حوارنة ورجلين تلك الأسرة التى فرقتها الحياة، وذهب كل واحد منها فى طريقه، تاركين الأم وحيدة والتى رغم خلافات أبنائها مع بعضهم ورغم عدم طاعتهم لها فإنها ظلت تحبهم وظلت حريصة على أن تراهم سعداء، وبالتوازى مع الخطوط الدرامية لهذه الأسرة يتناول باسل خطا دراميا لفاتن وتجسد دورها سلاف فواخرجى، وهى المرأة التى كانت على علاقة وطيدة بتلك الأسرة إلى أن اعتقدت والدة فاتن أن الأسرة السبب فى وفاة زوجها والد فاتن وهو ما ترتب عليه قطع أربطة تلك العلاقة وتحولها إلى حقد وغل.
المخرج تعامل مع العمل من منطق الرمزية المباشر، حيث رمز للأم بالوطن سوريا، وللأبناء بالشعب السورى ورمز لشخصية فاتن بالأشخاص الذين يحاولون نبذ العنف والتسامح والمحبة لعودة الأمور إلى ما كان عليها بعد الثورة، وهو الأمر الذى استقبله جمهور المهرجان بشكل جيد.
سيناريو العمل مكتوب بشكل جيد ومتضافر، ولكنه يحمل الكثير من الحوار الزائد، لكنه لم يتسبب فى إفساد المشاهد، وبررت القصة نسيان فاتن للحقد والغل تجاه تلك الأسرة بعد وفاة تلك الأم والتى ماتت وحيدة بعد أن هجرها أبناءها، وبموتها اجتمع أفراد الأسرة جميعا رغم الخلافات وويلات الحرب التى تضرب سوريا وصعوبة الوصول لمكان الجنازة فى إشارة إلى أنه وقت المحن لا بد أن يجتمع الشعب السورى.
ويعد «الماستر سين» بفيلم باسل الخطيب الأم هو ذلك المشهد الذى يصل فيه أبناء الأم فى آخر لحظة بعد أن تخطوا صعابا كثيرة من أجل العودة، خاصة أن الأبناء متفرقون فى بيروت وفى أماكن بعيدة عن القرية وهو المشهد الذى أبكى جمهور الفيلم بالمهرجان، ومن عناصر قوة الفيلم هو اختيار باسل لسولاف فواخرجى لتقديم دور فاتن، حيث عبرت سولاف عن مشاعرها بالفيلم بكل جوارحها، كما أن اختيار الفنانة القديرة صباح الجزائرى فى دور الأم أضاف غنى كبيرا للفيلم فأداؤها كان من نوع السهل الممتنع، حيث كانت قادرة على توصيل ما بداخلها دون أن تنطق، وإذا نطقت تجدها تستطيع أن تلون صوتها ليعطى المشاهد الإحساس بالحزن أو الآلم بحرفية شديدة.
صور المخرج باسل الخطيب الفيلم فى سوريا، وهو الأمر الذى يعتبره باسم معجزة بكل معنى الكلمة، ورغم أن ميزانية الفيلم متواضعة، حسبما أكد الخطيب، فإن المشاهد لم يشعر أبدا بذلك التواضع، خاصة أن باسل قدم صورة جيدة معتمدا على الألوان القاتمة الحزينة، وهو الأمر الذى شارك بشكل كبير فى توصيل رسالة الفيلم.