«إيلان» طفل سورى جميل.. كان يعيش حياة سعيدة مع شقيقه الأكبر «غالب 5 سنوات».. يلهو الشقيقان ويلعبان.. يستيقظ إيلان وغالب ويوقظان والدهما عبد الله، ظن «إيلان» أن الحياة ستمضى بريئة سعيدة كما كانت.. لم يفهم معنى دوى القنابل والبراميل المتفجرة التى كانت تلقيها «طائرات بشار» على كل سوريا.. فمدينته الكردية كانت بعيدة نسبيًّا عن مسرح الأحداث.. اقتربت الطائرات من بلده.. بدأ الفزع يدب فى قلب الأسرة الصغيرة التى لا شأن لها فى صراعات السياسة ولا نزاعات الكراسى، بدأت داعش تدخل فى المشهد السورى تقتل وتذبح وتروع الآمنين.. ودخل حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية فى المشهد السورى لتقتل وتذبح أيضا بالاسم والمذهب. لا تدرى أسرة إيلان ماذا تفعل؟! .. إن نجت من قصف الطائرات السورية بالبراميل المتفجرة وقعت فى أيدى داعش.. وما أدراك ما داعش؟ فهى لا تبقى ولا تذر.. وإن نجت منهما وقعت فى أيدى الميليشيات الشيعية التى تقوم بالتصفيات المذهبية فى مناطق معينة فى العراق وسوريا.
لم تجد «أسرة إيلان» سوى الهروب عبر قارب صغير فى البحر عن طريق المهربين.. القارب متهالك والعدد كبير.. حذر والد إيلان المهرب من كثرة العدد.. طمأنه الأخير: لا تخف.. اطمئن.. كلمة العرب جميعا قبل المصائب: اطمئنوا، كررنا المصيبة أكثر من مرة ولم يحدث مكروه..قبل كل حادث قطار أو ميكروباص سريع أو عبارة متهالكة يقول المسؤولون: الوضع آمن ..اطمئنوا.. هذه هى أمة العرب لا تعمل ولا تتابع ولا تدير إدارة صحيحة.. ولا تراجع نفسها.. ولكن تبعث طمأنينة كاذبة، بدأ الموج يداعب القارب.. يهزه بشدة.. يصرعه ويقلبه.. حاول الأب الإمساك بـ«إيلان وغالب وزوجته ريحانة» دون جدوى.. ظل يصارع الموت والموج إنقاذًا لأسرته دون جدوى لمدة ثلث ساعة.. مات إيلان ثم غالب ثم ريحانة.. لم يعثر على جثثهم .. قذف الموج كل جثة فى مكان.. عثرت مصورة فى إحدى الوكالات الصحفية التركية على جثة إيلان على شاطئ إحدى المدن السياحية التركية.. وجدته شبه ساجد على الشاطئ بملابسه وصندله البسيط.. ياله من منظر مهيب.. عز وطنه أن يهبه سكنا والآن يعز عليه أن يهبه قبرا، لقد ضنت عليه أوطان العرب جميعا بالسكن والأمن ونعمة العيش.. وضنت عليه بالقبر والكفن، إذا كانت كندا قد فتحت تحقيقا واسعا حول مبررات رفض طلب أسرة إيلان للجوء السياسى أو الاستضافة.. فإن حكومات العرب جميعا لم تذرف دمعة واحدة على ملايين اللاجئين والمشردين السوريين.
أما داعش والنصرة والميليشيات الشيعية وحزب الله وكل وكلاء الحرب فى سوريا فلم يحركوا ساكنا لمثل هذه المآسى منذ زمن بعيد..رغم أنهم من أسبابها الرئيسية.. آه يا إيلان.. لقد فضحت أمة العرب وكشفت سوءات حكوماتها وأحزابها ومؤسساتها.. تلك الأمة التى دب فيها الفساد والفوضى والعطب منذ سنوات طويلة.. آه يا إيلان.. لقد فضحت عجزنا ونفاقنا وأظهرت السوس الذى ينخر فى عظام هذه الأم.. آه يا إيلان.. كلنا نخاف من سجدتك الأخيرة التى تشكو فيها ظلم العباد إلى رب العباد.. لقد تركت الدنيا القاسية وأهلها الجبابرة لتذهب إلى رب رحيم كريم ودود.. آه يا إيلان.. لو كان لمنظمات حقوق المرأة فى بلادنا قلوب لاستقالوا جميعا.. فهم لا هم لهم إلا التحدث عن الختان وافتعال المعارك الكاذبة مع الحجاب.. تاركين قضايا المرأة الرئيسية مثل قضية هذه الزوجة ريحانة.. وآلاف النسوة المشردات واللاجئات والسجينات فى سوريا والعراق وفى كل بلاد العرب.. لا تحزن يا إيلان فقد ودعت دنيا الغيلان.