كلمات مشهورة يقولها المصريون كلما شعروا أن أحدا يوشك أن يستغفلهم أو يستخف بعقولهم.. يقولونها مسارعين بنفى السذاجة عن أنفسهم، ناسبين تلك السذاجة إلى غيرهم بكل أريحية وضمير مستريح، أحيانا يقول الشخص الذى ينفى السذاجة عن نفسه: إنت شايفنى داقق عصافير. بعض المهتمين بأصول العامية المصرية يرون أن هذه الجملة لها أصل فرعونى، حيث كانوا يرسمون عصافير على جانبى رأس الشخص الساذج (العبيط) وتم توارثها إلى يومنا هذا، لكن البعض لا يرون ذلك التفسير صحيحا ويؤكدون أن فيه استخفافا بأهل الصعيد الذين كانوا يدقون على جانبى جباههم وشوما تشبه العصافير، وقيل كانوا يشرِّطون جانبى الجبهة لتقيهم من ضربات الشمس. الشخص الذى ينفى كونه داقق عصافير هو ببساطة ينفى كونه صعيديا على أساس أن أهل الصعيد فى نظر صاحب المثل سُذج جميعا، وحاشا لله أن يكونوا كذلك.. طبعا كثير ممن يرددون الكلمة لا يقصدون الإساءة للصعايدة لأنهم لا يدركون أصل الكلمة لكن ماذا عن الذين ينفون كونهم هنودا؟! إنت شايفنى هندى؟! شايفنى راكن الفيل بره؟! فى هاتين العبارتين الشهيرتين عنصرية واضحة ولا يمكن التهرب من وضوحها كما نرى. الكلام مباشر والجنسية المحتقرة هاهنا مذكورة بكل صراحة، الهندى الذى يركن فيله الأليف خارج المتجر هو فقط الساذج الأبله وأنا طبعا مش هندى ولا راكن الفيل فى أى مكان فبالتالى كُلِّى ذكاء ومفهومية.
منذ أسابيع قليلة وتحديدا فى بداية أغسطس الحالى فاجأت مؤسسة جوجل العملاقة العالم بعدة قرارات مصيرية كان من أهمهما دخولها تحت مظلة كيان عملاق آخر اسمه «ألفا بيت» وتحدث العالم عن تلك الخطوة الجريئة باستغراب وتم تناولها بالكثير من التحليلات التى حاولت فهم ما حدث جنبا إلى جنب مع أخبار الرئيس التنفيذى الجديد لمجموعة جوجل بأكملها «سوندار بيشاى» ذى الثلاثة وأربعين ربيعا.. لكن وسائل الإعلام الهندية كانت لديها زاوية أخرى للخبر: هندى آخر يقفز إلى منصب إدارى رفيع فى شركة تقنية أمريكية. هندى آخر؟! هو ليس الأول إذاً.. نعم. لدى الهنود الآن «ساتيا ناديلا» على رأس «مايكروسوفت» والذى حقق نجاحات مدهشة بالمقارنة بسلفه الأمريكى ستيف بالمر وأيضا «شانتانو ناراين» مديرًا تنفيذيًا لـ«أدوبى» و«سانداى ميهروترا» مديرًا تنفيذيًا لشركة SanDisk، بخلاف المهندس «أجاى بهات» والذى يعتبر الأب المؤسس لمعيار USB وأيضا لا ننسى «أميت سينجال» وهو الذى يشرف على الأعمال الأساسية لمحرك بحث جوجل والذى يستخدمه أكثر من مليار مستخدم كل شهر وطبعا «فينود دهام»، الأب المبتكر لمعالج إنتل بنتيوم الشهير، وغيرهم الكثير ممن لا يتسع المقال لذكرهم جميعا. فى الوقت ذاته، يؤسس الهنود ما يقارب سدس شركات «وادى السيليكون» قلعة التقنية والاختراعات الحديثة فى الولايات المتحدة والعالم.
بحسب بعض الدراسات يتوقَّع أن يسيطر الهنود خلال السنوات المقبلة على أغلب صناعة التقنية وشركاتها الناشئة فى هذا الوادى الأمريكى الشهير. طبعا كل هذا بخلاف ما يوجد فى الهند نفسها والتى يعدها البعض وادى سيليكون آخر، حيث تعتبر الهند ثانى أكبر دولة مصدرة للبرمجيات بعد أمريكا ويتم فيها تطوير حوالى 40% من البرمجيات المستخدمة فى الهواتف الخلوية وتتخطى عائدات هذا القطاع التقنى فى الهند 100 مليار دولار، حيث بلغت قيمة الصادرات عام 2012 ما يقارب السبعين مليار دولار كل هذه الأرقام والإحصاءات التى تسطر قصة نجاح مدهشة لتلك الدولة وأبنائها؛ لم أذكرها على سبيل مصمصة الشفاه والتحسر على الحال، لكن المثير للدهشة حقا أن تجد الدراسات تتحدث عن كون الهنود يحققون أعلى المراتب فى الصفات القيادية والمهارات الإدارية، وأنهم حققوا نتائج غير عادية وبنوا مؤسسات كبيرة أو صاروا على رؤوسها وأثبتوا أن المقدمة لم تعد حكرا على السيد الأبيض فى الوقت الذى يكتفى فيه كثير ممن لم يحققوا معشار ما حققه الهنود بأن ينفوا عن أنفسهم التهمة ويؤكدون أنهم لم يركنوا أفيالهم بالخارج.. حينئذ تتساءل حقا، من الذى ركن الفيل؟!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة