تنقل أخبار الأحداث فى مصر من حولنا كل يوم أمثلة جديدة من شأنها أن تزيد إيماننا بقوة الرأى العام والإعلام على الشعوب . مثل خبر استقالة حكومة المهندس محلب وتكليف المهندس شريف إسماعيل .
غير أنى مع ذلك أرى أن انتفاعنا فى مصر بتلك الأمثلة قليل فى جانب كثرتها, تضئيل فى جانب عظمها وأساليبها الحديثة فى سرعة نقل وتوصيل المعلومات, فما سبب هذا يا ترى ؟ هل نحن فى مذهب التقليل جامدون على ما ورثناه من قبل الثورة من مشاهدة ولا مبالاة !.
كلا .. إن الحس الوطنى المصرى بعد الثورة مباشرة شهد أننا فى غاية السرعة فى رد الفعل, إلا أننا الآن تصل لنا الأخبار من مصر فى غاية السرعة, ننفعل معها لحظيا, وما هو إلا أسبوع واحد على الأكثر حتى تجدنا رجالا ونساء قد نسينا الحدث, وتابعنا حدثا جديدا دون النظر فيما سبق وما انتهى إليه فى صالحنا أو ضدنا, وهذا نوع من الإهمال فى حقوقنا. فما بالنا إذن لا نقلد غيرنا فى العمل على تماسك الرأى العام . . واليك هذا المثال القريب القوى, مثال ماقام به الرأى العام السعودى مع حادث مكة المكرمة. أما نحن وحتى بعد ثورة يونيو 2013, ادخل إلى أى مجلس من مجالس النخبة السياسية, حيث هذه المجالس تجدها تتكلم فى كل الأحداث ولكن نسب ذاتنا وأمتنا, نرمى أنفسنا بالضعف والعجز, نرمى أخلاقنا بالفساد, نرمى عاداتنا بالقبح نرمى رجالنا(حكاما أو معارضين) بعدم الثبات, نرمى موظفينا بفساد الذمة ونتشدق بمصطلحاتنا تطهير كل مؤسسات الدولة, حتى ولو صح على بعض المسئولين ، وهنا أود أن أوضح أننى لا أحب إرث الحقد, ولا أحب أن أرث الحقد عن أحد, ولا أن أورث حقدا لأحد, ولكن إذا لم نقدر على شىء, مع هذه الأمور المؤسفة التى تتدبر مصر , فلا أقل من أن ننشر هذا للعامة .
ولو اطلعت علينا فى هذه الحال وبعد ثورة يونيو بالأخص ( كان من أهدافها العدل والمساواة والحرية المسؤلة) لاعتقدت أننا لسنا مصريين, بل شعوب لها طباع جديدة فيها يهادنون العدو الحقيقي, ويتفرغون لحرب أنفسهم, يقتتلون ولا يقاتلون, ولولا اللغة العربية لتصورت أننا أعداء فى وطن واحد, فإذا كتب منا كاتب أو خطب خاطب استحى أن يحصل ما يدور فى تلك المجالس على ألسنة الذين هم جذع الرأى العام فى الحال, ومنبت أغصان الرأى العام فى المستقبل .
كل شىء فى الملكات الإنسانية يقوى بالتمرين والاعتياد, إن الاستعداد يستحيل أن ينقص أمة بأسرها, ولكن الذى يقوى الأمة هو تمرين ملكاتها وتعويد شعبها على التمسك بالمبادئ وقوة الإرادة والثقة بالنفس وعدم تخوين الغير. لا فرق بين الجندى فى شجاعته والحضرى فى جبنه, إلا أن الأول معتاد على ملاقاة الموت كل يوم, والثانى معتاد على الاتكال على الآخر..! لا فرق بين العالم فى إقدامه على المغامرة والجاهل فى ضعفه وعدم ثقته بنفسه, إلا أن العالم قد علم بمقدار الحياة فاستهان بها( مثل الراحل الدكتور مصطفى محمود), علما بأن الحقيقة هى أغلى ما تضحى له الملكات والراحة بل الحياة أيضا... علما بأن علة الخلق هى خدمة الحق, ومن لم يخدم الحق لم يقم لله بواجب الخلقة... علما بأنه لا لذة للرجل الذى يذوق طعم اللذائذ, أشهى عليه أعراض الحياة. وأما الجاهل, فلا يعرف طرفا من نفسه, حتى يثق بها.
ما دامت ملكة قوة القلب والثقة بالنفس هى ملكة ينميها التمرين والاعتياد أيضا, وجب علينا بعد كل هذه الثورات ألا نصرف الوقت فى السخرية من أنفسنا أو من الآخر, لأننا إذا اعتدنا ذلك منهجا, فقدنا بالزمن كل عامل من عوامل احترام الذات واحترام الآخر ولحقنا الفناء حتما.
علينا أن نروض أنفسنا على أن يعتبر كل منا نفسه إنسانا مخلوقا لحقوق يتقاضاها من هذا الوجود , اعتبارا ممزوجا بفضيلة التواضع التى هى مرآة لجميع الفضائل .
ولما لا نقلد الغرب مع عدم إغفال الوسط الذى نحن فيه, وتقلدنا شرق آسيا مع ملاحظة البعد بيننا وبينهم, وذلك بتمرين ملكاتنا على القوة والثقة بالذات والعمل والانتماء, حصلنا آخر الأمر من الرأى العام على قوة تناسب أطماعنا كشعب قام بثورة حتما, ولكن هناك أناس منهم من لا يقصد الصواب ولا يقصد الى الخطأ, إنما هو متبع فيما يأتى جميعا , كتب على غيرهم الصواب, فأصابوا وكتب على غيرهم الخطأ فأخطأوا، ليس لهم من صنع الخير إلا الضعف, ولهم من صنع الشر لمصر, الشر والضعف. فنحن لسنا فى موقف تقييم حكومة محلب و حذف وإضافة عناصر جديدة. أو حتى وضع استراتيجية لحكومة إسماعيل ، فالأمر أبسط من ذالك ، لأن ما مضى قد مضى ولة منا كل التقدير و الاحترام . و الآن مصر فى فترة انتقالية محسوبة لها أهميتها ولكن ليست هى الأهم فى مستقبل مصر .
فعلى الرأى العام الوعى ان يوجه الدفه نحو استكمال أهدافنا من اختيار صائب لاعضاء مجلس النواب الجديد وبعدة مجلس للوزراء ياتى بارادة شعبية يعكسها البرلمان المنتخب ، لرفعة مصر الغالية, وليتحقق الفردوس المنشود .
أستاذ الاقتصاد السياسى والماليةالعامة. كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة