من الوهلة الأولى لا يمكن أن تخطئ أنك أمام رجل دولة من طراز رفيع، لكنه فى الوقت نفسه ابن بلد وعشرى ولماح، يجيد قراءة الأفكار والعيون ويعرف بماذا يفكر من يخاطبه، فيصل إلى إجابات سريعة للتساؤلات التى يتعرض لها، مثقف واسع الاطلاع، لكنه ليس منعزلًا بثقافته عن هموم ومشاكل وطنه الراهنة، ولا توقعه ثقافته الرفيعة فى إغواء التنظير المحلق فى الفراغ، بل على العكس من ذلك فهو يجيد الإنصات لنبض الشارع ويوظف ثقافته لتكوين رؤية وطنية تستشرف المستقبل.
السفير محمد البدرى سفيرنا فى روسيا وسفيرنا فوق العادة فى بيلاروسيا وسفيرنا غير المقيم فى تركمانستان، هو من أتحدث عنه، وقد أسعدنى الحظ بلقائه للمرة الأولى على هامش مهمتى الصحفية فى تغطية زيارة الرئيس الأخيرة لموسكو، وجمعتنا مع نخبة من الزملاء الصحفيين مناقشات ثرية فى حديقة منزله الذى كان بمثابة المكان الرسمى لتجمعنا اليومى مع نهاية جدول أعمال الرئيس.
المستقبل الذى يتأسس على نهضة مصر الحديثة، هو الشغل الشاغل للسفير محمد البدرى، وفى اللقاءات التى جمعتنا، كان دائما ينطلق من تساؤلات يقول إنه لا يجد إجابات لها، لكنها فى الحقيقة تساؤلات تحمل إجاباتها، ولا يخطئ المتأمل الحصيف من دقة صياغتها أنها مقدمات لمناقشات مستمرة تبدأ وتنتهى دائما بالأساس الواجب ألا ننساه أبدا لنهضتنا الحديثة، وأعنى به الأساس الذى وضعه محمد على باشا، فاستطاع أن ينتقل ببلادنا من مجرد ولاية عثمانية منهوبة إلى دولة إقليمية كبرى.
ومثلما كان ومازال هنرى كيسنجر مولعا بميترنيخ وزير خارجية النمسا فى عصرها الذهبى ووضع عنه رسالته للدكتوراه «مترنيخ والسلام العالمى» وكيف استطاع بسياساته الانتقال بالنمسا إلى مصاف القوى الكبرى فى أوروبا القرن التاسع عشر، لا يخفى محمد البدرى ولعه الشديد بكيسنجر ومحمد على معًا، حتى إنه أفرد عن الأخير كتابا مهما تحت عنوان «المواجهة المصرية الأوروبية فى عهد محمد على»، موضحا فيه كيف اكتشف محمد على المزيج الخاص من القوتين الصلبة والناعمة فى مصر ليؤسس دولة حديثة قوامها الجيش الحديث والتسليح الجيد مع الانفتاح على مختلف العلوم والمعارف والحرف فى العالم، عن طريق التعليم والبعثات الخارجية، وكيف أوصله طموحه وإنجازاته إلى الصدام مع القوى الأوروبية الكبرى.
وللحديث بقية
- أيام فى روسيا «4».. الإخوان وصلوا موسكو
- أيام فى روسيا «3».. لاجئون مصريون
- أيام فى روسيا «2».. يهود وصينيون وأتراك
- أيام فى روسيا"1"- طباخ صدام حسين
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة