عندما نتحدث عن القوى الناعمة لمصر يأتى بابا الكنيسة المرقسية فى مقدمتها، فله فى أماكن كثيرة فى العالم مكانة تجعل كلامه عن مصر يغنى عن ألف زيارة لمسؤولين سياسيين، ويختصر سنوات من الحوارات والمناقشات، والواقع يؤكد أن الرجل لا يدخر وسعا فى بذل الجهد من أجل مصالح مصر العليا، جولات البابا تواضروس الثانى فى دول أوروبية كثيرة ومؤثرة، ولعبت دورا فى تصحيح الصورة السلبية التى صدرها المغرضون عن مصر، ولأنى أعرف وطنية هذا الرجل وعشقه لمصر ودوره فى القضايا المصيرية لم أستوعب ما قيل عن أن زيارته المرتقبة لإثيوبيا المحدد لها الأسبوع القادم لن تتطرق لملف مياه النيل وأزمة سد النهضة، إن كان هذا صحيحا فإنى وبكل وضوح أطالب قداسة البابا أن يعيد النظر فى أجندة زيارته، ويضع هذا الملف ضمن أولوياتها، فمن يستطيع أن يتحدث عن هذا الملف شعبيا أفضل منه؟! ومن يمتلك توصيل رسالة المصريين لشعب الكنيسة الإثيوبية الذى يمثل الأغلبية هناك أكثر من البابا تواضروس؟!
ليس المطلوب من قداسة البابا بالتأكيد أن يستجدى الإثيوبيين تفهم المطالب المصرية فى هذا الملف المعقد، فالحق المصرى لا يحتاج استجداء، سنحصل عليه بكل الطرق المشروعة، كما أن مقام البابا أكبر من ذلك بكثير، لكن على الأقل يستطيع البابا تواضروس أن يستغل المصداقية التى يتمتع بها هناك، ويشرح لقادة الكنيسة الإثيوبية خطورة القضية للشعب المصرى، وصعوبة أن يفرط فى متر مكعب واحد من نصيبه الشرعى فى مياه النيل، يستطيع البابا خلال لقاءاته مع رجال الكنيسة الإثيوبية أن يؤكد نفس رسالة الرئيس السيسى التى وجهها من داخل البرلمان الإثيوبى بأنه مثلما لا تعارض مصر حق إثيوبيا فى التنمية يجب أن تحترم إثيوبيا حق المصريين فى الحياة، وأن يشرح لهم حقيقة اختيار مصر لطريق الحوار، وأنه لم يكن ضعفا ولا قلة حيلة، وإنما رغبة فى تحقيق مصلحة الشعبين.
هذه الرسالة لن تؤثر فى زيارة البابا ولن تلقى عليه عبئا كبيرا، بل هو أهل لها، وتأثير كلامه هناك سيكون قويا، أما أن يقول البعض بأن الزيارة البابوية لأديس بابا دينية ولن تتطرق للسياسة فهذا الكلام مردود عليه بأن مياه النيل ليست ملفا سياسيا محضا، وإنما هو ملف حياة أو موت لشعب مصر بالكامل، وبدون الحياة فلا دين ولا صلاة فى مسجد أو كنيسة.