منذ ثلاثة أشهر وفى لقاء لى فى إحدى الفضائيات أطلقت على الرئيس السيسى «زعيم المعارضة»، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن كلما تأملت هذه المقولة أجدنى على صواب، فالرجل منذ حلف اليمين كوزير للدفاع إبان حكم الإخوان وحتى وصوله إلى سدة الرئاسة وحتى الآن يقوم بمهمة المعارضة، كلنا نعرف أنه كان أول من تنبه لخطورة الإخوان، وكيف أعطى لمرسى المهلة تلو المهلة، وخطط حتى وصلنا إلى 30 يونيو وما تلاها، وأيضا هو الذى تنبه مبكرا لخطورة الإرهاب وطلب التفويض فى 26 يوليو وحصل عليه مبكرا، ولولاه لحدث ما لا يحمد عقباه، ومنذ حلف اليمين فى 8 يونيو 2014 وحتى الآن يواجه السيسى ثلاث مهام كبرى: مكافحة الإرهاب، إعادة بناء الدولة، وترشيد المجتمع، مهام لم يواجهها من قبل رئيس، تقترب من مهام محمد على باشا 1805 فى مواجهة دولة المماليك، حيث لم يجد الباشا سوى القضاء عليهم عبر «مذبحة القلعة» الشهيرة، والآن العالم مختلف والسياق مغاير ولا يملك السيسى سوى مواجهة «المماليك المباركية» إلا بالقانون، ولكننا نرى كيف يستغل المماليك المباركية القانون والدستور من أجل السيطرة على السلطة التشريعية والعودة إلى حكم البلاد، الأمر الذى دفع السيسى إلى الإفصاح عن معارضته لهؤلاء خلال لقائه بالشباب فى أسبوع شباب الجامعات بجامعة قناة السويس، حيث طالب المصريين جميعا بالتدقيق والنزول لاختيار المرشحين فى انتخابات البرلمان، مؤكدا أننا نريد برلمانا يساعد فى بناء الوطن، وعارض الدستور، مشيرا إلى أنه ليس بالنوايا الحسنة تصنع الدساتير.. لكن من يتابع الحراك الانتخابى يجد أن أكثر من 60% من المرشحين (فردى وقوائم) من أعضاء الحزب الوطنى «المنحل» موزعون على كل القوائم وستة أحزاب من كل الاتجاهات (دينية وليبرالية ويسارية)، الأمر الذى ينبئ بمحاولة جادة للزحف السلمى على البرلمان، وبالطبع كلنا نعرف كيف يؤهل الدستور هؤلاء للتقليل من سلطات الرئيس!!
سبق ذلك أن قام السيسى بمحاولات كبيرة ومتتابعة فى معارضته للخطاب الدينى السائد، وفى الاحتفال بالمولد النبوى الشريف 2014 دعا السيسى إلى ما أسماه بـ«ثورة على الخطاب الدينى»، وبعدها أطلق الرئيس معارضته للخطاب الدينى السائد أربع مرات، خاطب فيها بكل رصانة المؤسسات الدينية، وحمّل الأزهر الشريف إماما ودعاة مسؤولية تجديد الخطاب الدينى، وتصحيح الأفكار والمفاهيم التى ليست من ثوابت الدين، والعمل من أجل «ثورة دينية»، الأمر الذى جعل العديد من الكتاب والمثقفين والعلماء يدعون إلى أن حل هذه الأزمة يكمن فى توحيد العقل المصرى، وذلك بتوحيد نظام التعليم، وجعل التخصص فى فقه الدين أمرا خاصا، وإعادة النظر فى التمييز بين الذكر والأنثى، والمسلم والمسيحى، ومراجعة كتب الأزهر، واستبعاد العنف وأسباب القتال إلخ.. لكن شيئا من ذلك لم يحدث من قبل «دولة الموظفين»!!
الرئيس السيسى بالفعل زعيم للمعارضة، وحينما استعان بالوزارة، ومع احترامى لشخص وكفاءة المهندس إبراهيم محلب، وجدنا كيف صارت الوزارة عبئا على نزاهة الحكم، بل وإن بعض الوزراء كانت لهم تصريحات «خرقاء» أدت إلى تحميل الرئاسة أحمالا ثقيلة، والأخطر أنه ليس للرئيس حزب، وما يحلو للبعض تسميته بـ«الظهير الشعبى» غير منظم، وسوف يتفرقون فى الانتخابات البرلمانية، لأن الأحزاب فشلت فى تحقيق أى اعتماد على الجماهير، وأهملت السياسة وقامت بشراء «لاعبين برلمانيين» من أجل إحراز المقاعد النيابية، حتى إن السيسى فعل ما لم يفعله أحد من قبل، جلس مع فرقاء حزب الوفد
لمصالحتهم، ولكنهم ازدادوا فى غيهم للانقسام.. دعا لتوحيد القوائم ولكنهم تفرقوا إلى العديد من القوائم. والأخطر هو ما يبدو فى الأفق من أن بعض أجهزة الدولة تمارس عملا يقترب من العمل الحزبى وترشح مئات من المستقلين، ولست أدرى لصالح من؟ هكذا يقوم عبدالفتاح السيسى بأصعب مهمة واجهت حاكما لمصر، ودولة الموظفين والمماليك المباركية تضع العراقيل، والإعلام لا يمتلك من رؤية وليس أمامه سوى تحويل الأفكار الصائبة إلى ممارسات خائبة!
واللهم احم السيسى من دولة الموظفين.. أما أعداؤه الإرهابيون فهو كفيل بهم