اختيار الصديق حلمى النمنم وزيرا للثقافة تكريم لكل صاحب قلم شريف، واحتفاء بأبناء صاحبة الجلالة من الصحفيين المحترمين والعصاميين، وأنا أقصد بعصاميته أنه بدأ مثلنا جميعا من الصفر كمحرر صغير، ثم بجهده وتعب السنين وصل لموقع رئيس تحرير وكاتب كبير ومفكر ومثقف ملتزم بقضايا وطنه، وظل ولا يزال ممسكا بالجمر واقفا على المبدأ، لم ينافق حاكما ولم يتقرب من سلطة أو يدخل شلة رجل أعمال أو يؤجر قلمه لمن يدفع. حلمى نموذج للكاتب والمثقف الذى اشتغل على نفسه بالقراءة والبحث، وقدم للمكتبة العربية إضافات وإسهامات حقيقية فى مواجهة الصهيونية والفكر المتطرف، ولذلك كان لابد أن يهاجهه الظلاميون والوهابيون والإخوان لأنه فضحهم فى كتاباته ونزع عنهم ورقة التوت، وكشف تجارتهم الرخيصة بعقول البسطاء، وعمالتهم الوضيعة لأعداء هذا الوطن، ولكل ذلك يعد اختياره انتصارا لوجه مصر الحضارى وتاريخها المضىء، والذى أراد خنازير الظلام خطفه لكهوف الماضى وعصور الخراب. الأخ الصحفى السعودى الذى هاجم حلمى وأطلق دعوة للمثقفين السعوديين لمقاطعة الثقافة المصرية بسبب اختياره إنما يعبر عن جهل مدقع لأن الثقافة المصرية لا ترتبط بشخص وزير وإنما هى مثل الشمس التى لا تخفيها أكف أقزام أمثاله، ثم إن هذه الثقافة هى التى أضاءت عقول الأمة العربية ودفعت دماء الحياة والحيوية فى شرايينها.
إن لغة الضاد حافظت على قوامها وروحها بإبداع الرواد المصريين من أمثال العقاد وطه حسين والمازنى والرافعى وغيرهم، ولولا شعر شوقى وأدب نجيب محفوظ وإدريس ولطيفة الزيات وحتى أحدث مبدع فى سلسال الإبداع المصرى ما عرف العالم شيئا اسمه الأدب العربى ولولا الفنون التشكيلية بأنواعها والسينما المصرية والمسرح والأغنية والدراما التليفزيونية الرائدة ما عرفت الأجيال العربية طريق النور والإبداع وفى كل شبر من الخليج للمحيط لو سألت أى مبدع عربى على من تعلم وبمن تأثر سيقول لك اسما مصريا، وفى ظل عصور الانهيار السياسى والاقتصادى منذ السبعينيات كانت مصر حاضرة بقوتها الناعمة المتراكمة عبر قناديل الثقافة المصرية، ومن هنا تأتى أهمية اختيار رمز مستنير تاريخه خلفه مثل حلمى النمنم، وعلى كل صاحب قلم أن يدعمه لمواجهة الفكر الظلامى الذى بدأت خنادقه الخبيثة حربها ضده مبكرا. المؤكد أن الأخ السعودى الذى هاجم المثقفين المصريين لاحتفائهم بالوزير لا يمثل إلا نفسه كما أنه يحظى بكراهية شباب المثقفين السعوديين وبعضهم هاجمه لأنه كان مدافعا عن تنظيم القاعدة وعن مرسى والإخوان، وهو فى دفاعه عن الفكر الوهابى إنما يدافع عن الحضانة -بتشديد الضاد- التى تخرج منها كل رموز الإرهاب من أول «بن لادن» الذى عمل مستشارا له، وحتى الإخوان ومرسى الذى لا يزال يدافع عنه بكل سذاجة متمثلا أستاذه العجوز الحقود يوسف القرضاوى مفتى الأمير.
فى كل الأحوال الثقافة المصرية مثل المحيط لا يضيرها أن ألقى فيها أحد الحاقدين حجرا، ولعل هجوم أحد أنصار الفكر الظلامى على حلمى علامة وإشارة له ولنا حتى يعرف أن اختياره تبعة ومسؤولية خطيرة لوضع استراتيجية لتفكيك منظومة الجهل والتطرف ونسف بيئة الفكر الإرهابى المتجذرة من سنين والتى يحميها الإخوان والوهابيون والسلفيون، ولنا حتى لا نتركه وحيدا فى معركته التى هى معركة مصر والأجيال القادمة إذا أردنا لهذا البلد أن يوضع على «تراك» التقدم وتدخل سباق العصر بعد أن تخلفت قرونا، ومبروك للثقافة المصرية حلمى النمنم