بدأت أمس الكتابة عن «بونابرت بين الإسلام والدولة اليهودية»، وهو عنوان لكتاب صادر عن قطاع الثقافة بمؤسسة دار أخبار اليوم، ويتناول قضية تاريخية لكنها تصب فى وقاعنا المعاصر من عدة زوايا، كعلاقتنا الشائكة بالغرب، وموقع الإسلام فيها، وكيفية توظيف الإسلام دينًا وشيوخًا وجمهورًا فى هذه العلاقة من الغرب الذى يأتينا بمشروعه الاستعمارى، ومن داخلنا نحن.
فى هذا السياق يتحدث المؤلف هنرى لورنس عن نظرة «بونابرت» للمؤسسات الإسلامية، والعلاقة التى يجب أن تربطه بها فى إطار مشروعه الاستعمارى، ويأتى برسالة تعكس هذه النظرة، موجهة منه إلى كليبر بتاريخ 23 أغسطس 1799، أرسلها وهو عائد إلى فرنسا، وترك قيادة الحملة إلى كليبر: «نحن بكسب رأى كبار مشايخ القاهرة، نكسب مصر كلها وجميع الزعماء الذين قد يكونون لدى هذا الشعب، وليس هناك من هو أخطر علينا من مشايخ خوافين لا يعرفون القتال، لكنهم كجميع الكهنة يلهمون التعصب دون أن يكونوا هم أنفسهم متعصبين».
يواصل نابليون: «حاول أن تجمع خمسمائة أو ستمائة مملوك تتولى عند وصول السفن الفرنسية احتجازهم يومًا ما من القاهرة أو من أقاليم أخرى، وترحيلهم إلى فرنسا، وإذا لم تجد مماليك فخذ رهائن من العرب، أو من مشايخ البلد الذين تحت دعوى أو أخرى سوف يجدون أنفسهم محتجزين، ويمكنهم أن يكونوا بديلًا عنهم، عن المماليك، إن هؤلاء الأفراد عند وصولهم إلى فرنسا سوف يجدون إبقاءهم فيها سنة أو سنتين، وسوف يرون عظمة الأمة، وتبنون عاداتنا ولغتنا، ولدى عودتهم إلى مصر سوف يساعدون على تكوين عدد كبير من الأنصار لنا».
كان بونابرت يجالس العلماء ويسألهم عن ديانتهم، وحسب «لورنس» فإنه كان يسعى إلى تصوير نفسه فى صورة «مهدى منتظر» حقيقى للمسلمين، بل إنه يعلن ذلك بنفسه أمام سكان القاهرة: «العاقل يعرف أن ما فعلناه بتقدير الله وإرادته وقضائه، ومن يشك فى ذلك فهو أحمق وأعمى البصيرة، وأعلموا أيضًا أمتكم، أن الله قدر فى الأزل بعد ذلك أن أجىء من المغرب إلى أرض مصر لهلاك الذين ظلموا فيها، وأجرى الأمر الذى أمرت به، ولا يشك العاقل أن هذا كله بتقدير الله وإرادته وقضائه، وأعلموا أيضًا أمتكم أن القرآن العظيم صرح فى آيات كثيرة بوقوع الذى حصل، وأشار فى آيات أخر إلى أمور تقع فى المستقبل».