أهنئ إخوتنا المسلمين فى "مِصر"، والشرق الأوسط، والعالم بأسره؛ بعيد الأضحى. ونصلى من أجل سلام بلادنا المحبوبة "مِصر" ورخائها.
تكلمتُ فى المقالة السابقة عن أسباب صمت الإنسان؛ فقد يصمُت الإنسان لأنه يحتاج إلى التفكير بعمق فيما يريد قوله، أو محاولة لإدراك الأمور بدرجة أكثر عُمقـًا. ثم الصمت القوى الذى تمثل فى "يوسُف الصديق"، ومن يصمُت لأنه لا يُريد رد الكلمات الجارحة بمثلها.
أيضـًا يكون الصمت قوة عندما يتملَّك الإنسان نفسه ويصمت فى أوقات تدعوه إلى الغضب والتوتر والانفعالات؛ فحين يتحدث الإنسان وهو غاضب لن يتحدث إلا بكلمات جارحة لا يجنى منها سوى الندم. وقد عبَّر "أرسطو" عن حالة الإنسان فى وقت الغضب فقال: "الذين هم فى ثورة الغضب يفقدون كل سلطان على أنفسهم". لذٰلك حقـًّا ما قيل: "تحدَّث وأنت غاضب وسوف تقول أعظم حديث تندم عليه طول حياتك!". وهٰكذا يكون الصمت فى لحظات الغضب أقوى ولا يحمل فى أعماقه ندمـًا. ويقول الشاعر:
فَذُو الصَّمْتِ لا يَجْنِى عَلَيْهِ لِسَانُهُ وَذُو الْحِلْمِ مَهْدِى وَذُو الْجَهْلِ أَخْرَقُ
ونظَم آخر:
نَزِّهْ لِسَانَكَ عَنْ قَـوْلٍ تُعَـابُ بِـهِ وَارْغَبْ بِسَمْعِكَ عَنْ قِيلٍ وَعَنْ قَالِ
لا تَبْغِ غَيْرَ الَّـذِى يُعْنِيـكَ وَاطْـ رَحِ الْفُضُوْلَ تَحْى قَرِيرَ العَينِ وَالْبَالِ
إن أكثر ما فى الصمت من إنسانية أنه فى لحظات الغضب يراعى إنسانية الآخر؛ فهناك بعض الكلمات التى تستقر فى القلوب كرُؤوس الإبَر! متى تحركت، أى حين تتذكرها، تُوجعك. وما أصعب الألم الناتج من الكلمات القاسية وقت الغضب! فيا ليت الإنسان يتعلم أن يصمُت بدلـًا من أن يجرح الآخرين! وهناك الله الذى يرى ويحكم لكل إنسان.
وللصمت أيضـًا صوت وكلمات، حتى إن اعتبره بعض الناس مؤلمـًا فإنه يبقى أرقى وسيلة للرد على كثير من الكلام؛ وقد يعتبره بعضٌ آخر وسيلته الأخيرة لإخبار الآخرين بما لم يفهموه من كلماته! وهناك من يعتبره انزواء وانحصارًا من حياة بعض الناس.
ومن الكلمات التى قيلت عن الصمت:
- الصَّمْتُ للْمَرْءِ حَلِيفُ السِّلْمِ وَشَاهِدٌ لَهُ بِفَضْـلِ الْحُكْـمِ
وَحَارِسٌ مِنْ زَلَـلِ اللِّسَـانِ فِى الْقَوْلِ إِنْ عَى عَنِ البَيَـانِ
فُعُذْ بِهِ مُعْتَصِمـًا مِنَ الْخَطَـا أَوْ سَقطٍ يَفْرُطُ فِيمَـا فَرَطَـا
- إِنَّ السُّكُوتَ يَعْقُبُ السَّلامَـة فَرُبَّ قَوْلٍ يُـوْرِثُ النَّدَامَـة
- لا شَىءَ مِنْ جَوَارِحِ الإِنْسَانِ أَحَقُّ بِالْحَبْسِ مِنَ اللِّسَـانِ
- إِنَّ اللِّسَـانَ سَبْـعٌ عُقُـورُ إِنْ لَمْ يَسُسْهُ الرَّأْى وَالتَّدْبِيرُ
إلا أن أعظم الصامتين هو من توقف عن الحديث مع البشر ليتحدث وينشغل بأفكاره وحديثه مع الله؛ فليس كل صمت يُعد صمتـًا، حتى الصمت وأنت فى حضرة الله فإن الله يسمعه، وفى هٰذا يقول مثلث الرحمات البابا "شنوده الثالث": "الله يسمع هٰذا الصمت، ويُدرك معانيه، وكل ما نُعانيه."
سواء أتقنت فن الصمت أو فن الحديث، فعليك أن تُدرك أن الأعظم منهما هو اختيارك للوقت المناسب، فمن يصمت فى غير وقت الصمت أو يتحدث فى وقت لا يلائمه التحدث كصياد يرمى صنارته يَنشُد أسماكـًا فى حوض للسباحة!!
* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى.