منذ أن أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسى القرار رقم 686 لسنة 2015، بالإفراج عن مائة سجين، تباينت الآراء، وكما يقول طارق الخولى الناشط الشاب وعضو اللجنة التنسيقية لقائمة حب مصر: "البعض معها بضراوة وآخرون ضدها بشراسة" وإن كنت أرى أن الرئيس كالعادة باستخدامه عنصر المفاجأة أربك الجميع -المؤيدين والمعارضين- ووضعهم فى دائرة رد الفعل، ولعل اختيار الرئيس لمناسبة دينية "عيد الأضحى"، ذلك العيد الذى يحمل أكثر من دلالة أبرزها: العلاقة الأبوية بين الآباء والأبناء، من جهة بكل ما تحمل من دلالات، وربما هذا ما دعا طارق الخولى بالقول: "أعتقد إن الرئيس يعطى فرصًا لهؤلاء الشباب لمراجعة الأفكار والنفس فى إطار ما توجهة الدولة فى الداخل وما يدور حولها فى الإقليم"، البعض الإنسانى الأبوى فى القرار لا ينفى الأبعاد السياسية والنوعية، والقانونية، يلاحظ أن من بين المفرج عنهم 16 فتاة وسيدة، أشهرهم سناء سيف ويارا سلام، وقبطى بيتر جلال يوسف، وصحفيون مزدوجى الجنسية مثل محمد فهمى وآخر من الجزيرة باهر محمد، وكلاهما يعطى دلالات إقليمية خاصة فى العلاقة مع الحكم فى قطر، ودولية برز فى ترحيب موقع "هافنتجون بوست" الأمريكى والذى أبرز الترحيب الكندى بالإفراج عن محمد فهمى -المواطن الكندى- وإشارة "فوكس نيوز" إلى أن القرار صدر قبل سفر الرئيس إلى الأمم المتحدة لإلقاء كلمة مصر فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وإمعانًا فى مباغتة الرئيس للجميع.. رحبت لجنة حماية الصحفيين الأمريكية بالقرار ووصفته بالمفاجئ!
لا شك أن القرار بتوقيته وطريقة اختيار الأسماء بعناية -على عكس قرارات العفو السابقة والتى شملت 116 عنصرًا أغلبهم من شباب الإخوان- ومن الأبعاد الإنسانية والنوعية والدينية والدولية إلى أكثر الأبعاد أهمية، حيث إن أكثر من نصف المفرج عنهم متهمون فى قضايا خرق قانون التظاهر مثل 33 مدانًا فى القضية رقم 8439 لسنة 2014 جنح مصر الجديدة، فى أحداث الاتحادية ومنهم سناء سيف ويارا سلام وآخرون، ثم 18 مدانًا آخر فى القضية رقم 13058 لسنة 2013 خرق قانون التظاهر فى أحداث مجلس الشورى، ومن أبرز المفرج عنهم هانى الجمل وبيتر جلال يوسف أى أن 51 مفرجا عنهم من أصل 100 كانوا مدانين فى قضايا خرق قانون التظاهر.. مما يحمل دلالة أن كل الملاحظات التى وجهتها الأحزاب ولجان حقوق الإنسان قد أخذت فى الاعتبار الأمر الذى ينبئ بأن قانون التظاهر سوف ينظر فى موادة حينما يطرح على البرلمان القادم، وهناك دلالة أخرى لا تقل أهمية وهى أنه للمرة الأولى يشمل عفو رئاسي مدانين فى التعدى على الشرطة، حيث أفرج عن الناشط والشاعر عمر حاذق المدان فى القضية 15135 لسنة 2013 بالتعدى على قسم شرطة الرمل بالإسكندرية وخرق قانون التظاهر، جنح المنشية، ما يفسح المجال بإعطاء الأمل فى الإفراج عن السجينة ماهينور المصرى وآخرين فى فرص أخرى.
هناك دلالة أخرى لا تقل أهمية عما سبق وهى ارتباط القرار بموعد الاستحقاق الثالث فى خارطة الطريق، الانتخابات البرلمانية، وكيف أن أغلب المفرج عنهم من القاهرة والإسكندرية، وإمكانية إعادة التجانس بين ثورتى 25 يناير و30 يونيو وفتح باب الاصطفاف من جديد لحلف 30 يونيو .
كما يرتبط ذلك القرار فى توقيته بالتزامن مع ما أعلنه الرئيس عن البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب، والذى يهدف إلى تخرج قيادات شابة قادرة على الإدارة وتولى المسئولية والمناصب القيادية وفقًا لأساليب الإدارة الحديثة، والذى أعلنه الرئيس أمام أسبوع شباب الجامعات المصرية العاشر فى مقر جامعة قناة السويس، وأعتقد أن الرئيس كان فى ذهنه مكونات وشخوص من ينوى الإفراج عنهم إبان اتخاذه قرار هذا البرنامج، لأن أغلب المفرج عنهم من المعارضة اليسارية، وهكذا ارتبط قرار التأهيل بقرار المصالحة مع الشباب، ولعل هذا القرار أشبه بقرار العفو الرئاسى الذى أصدرة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر للشيوعيين 1964، وكيف لعب الشيوعيون دورًا مهمًا فى دعم الثورة فى مناحٍ مختلفة إعلامية وفكرية واقتصادية، ولذلك لا يجب أن نكتفى بقرار العفو بل أتمنى على الرئيس السيسى أن يلتقى وفدًا من هؤلاء الشباب والشابات المفرج عنهم ويدير معهم حوارًا كما فعل السادات مع أبناء جيلنا السبعينيات بعد الإفراج عنهم قبيل حرب 1973، الأمر الذى كان له أبلغ الأثر فى التحام الجبهة الداخلية قبل الحرب.