لا يوجد خطر على مجتمعنا أكبر من خطر «التخوين باسم الوطنية»، و«التكفير باسم الدين»، وليس خافيا على أحد أننا فى مصر نعانى من هذه الثنائية الغاشمة فى الفترة الأخيرة.
ويناقش هذه القضية الخطيرة الكاتب اللامع الدكتور وحيد عبدالمجيد فى كتابه الأخير «أزمة العقل العربى، التخوين والتكفير»، والصادر منذ أسابيع عن «مركز المحروسة»، يتحدث عبدالمجيد «عن أنه إذا اجتمعت الحالتان (احتكار الوطنية، واحتكار الدين) فى لحظة تاريخية واحدة يصبح العقل فى أزمة خطيرة على النحو الذى حدث فى مصر بعد صدمة حكم الإخوان وإسقاطه فى منتصف عام 2013، فلم يعرف العقل المصرى العام مثل هذه الأزمة منذ بداية القرن التاسع عشر حين بدأت رحلة الانتقال المتعثر إلى العصر الحديث».
يضع «عبدالمجيد» يده على نقطة جوهرية فى هذه القضية الخطيرة وهى «القابلية المجتمعية» للحالتين، مشيرا إلى أن «الحالة المجتمعية التى أنتجت قابلية مجتمعية لاحتكار الدين وتأييدا لمن يزعمون التحدث باسمه هى نفسها التى خلقت استعدادا لاحتكار الوطنية وتصفيقا لمن يدعون امتلاكها نيابة عن الوطن»، ويرجع المؤلف هذه الحالة إلى أن «التجريف الذى تعرض له المجتمع المصرى على مدى عدة عقود خلق استعدادا لتعطيل العقل وقابلية تغييبه».
«تعطيل العقل وقابلية تغييبه» حالة تؤدى إلى صعود كل الذين يتاجرون بالدين والوطنية، فى مقابل تعطيل أى آلة دفع لتقدم المجتمع، وتكييل الاتهامات إلى كل الذين يقفون على ضفة التحذير من خطر «التخوين» و«التكفير»، وفى لحظتنا الحاضرة تبدو المسألة أمامنا لا تحتاج إلى دليل، فتعطيل العقل كما يقول «عبدالمجيد» أدى إلى أن يكون الأمر سهلا لمن ركبوا مودة رفض احتكار الدين فى 30 يونيو 2013، دون أن تكون مواجهة هذا الاحتكار هى هدفهم الحقيقى، أن يخلقوا أجواء تتيح لهم احتكار الوطنية لكى يستخدموها لإعادة إنتاج شبكات المصالح الكبرى، مستغلين العنف والإرهاب اللذين تصاعدا عقب إخراج محتكرى الدين من السلطة.
يتحدث عبدالمجيد عن النقاش العام الذى دار منذ منتصف عام 2013 يخلو مضمونه من أى أثر للمنطق والتفكير فى كثير من الحالات.