عندما كتبت الأسبوع الماضى فى جريدة اليوم السابع الغراء مطالبا قداسة البابا تواضروس الثانى بألا تخلو زيارته لإثيوبيا من ملف سد النهضة، كنت أراهن على وطنية ووعى هذه القامة المصرية وإدراكها لأهمية تضافر الجهود فى هذا الملف، الذى يمثل قضية حياة أو موت لكل المصريين.
كنت أعلم أن لدى البابا من الحنكة ما يحصنه من الاستسلام لدعوات بعض السطحيين والمغيبين بأن تكون زيارته للكنيسة الإثيوبية دينية فقط.
كنت أعرف أن هذا الرجل الذى تدل كل تحركاته وأفعاله وتصريحاته على فهمه العميق لمعنى الأمن القومى المصرى وحرصه على مصالح الوطن لن يفوت فرصة مثل هذه ليضع لبنية جديدة فى الجهود المصرية لإنهاء هذه الأزمة دون خساره لأى من الشعبين.
كنت أثق أن البابا ليس ممن يتعاملون بمنطق "وأنا مالى" لأنه رجل يقدر المسئولية الوطنية، ويعرف أن الدفاع عن مصالح الدولة المصرية ليست مهمة الحكومة ولا المؤسسات السياسية وحدها إنما مهمة الجميع بمن فيهم المؤسسات الدينية ورموزها وقاماتها .
وما توقعته وراهنت عليه حدث ولم يخب البابا ظن ملايين المصريين، فقد فاجأ البابا الجميع بأن ملف مياه النيل ليس فقط من أولوية زيارته بل على رأسها، تحدث بعقلانية تضيف للرصيد المصرى المحترم فى التعامل مع هذا الملف، الذى تضخم بسبب اللعب الأسود الذى تمارسه جهات إقليمية ودولية معروفة تتآمر من أجل أهداف خبيثة.
الأهم أن البابا وبذكاء شديد نجح فى أن يلخص للإثيوبين خطورة القضية وأهميتها للمصريين، تحدث بكلمات منتقاة كانت كفيله بتوصيل الرسالة، كما أرادها المصريون، تحدث عن قطرة المياه، التى يقدسها الجميع، وبالطبع كان المعنى جليا بأنه ليس متوقعا ولا متصورا أن يفرط شعب كامل فيما يقدس أو يتنازل عن قطرة مياه حياته مرتبطة بوجودها.
أبدع البابا عندما حدد الروابط العميقة بين الشعبين المصرى والإثيوبى ووضع فى مقدمتها نهر النيل الخالد، فكان المقصد واضحا بأن من يريد الحفاظ على هذه الروابط التاريخية عليه ألا يتجرأ على حق الآخر فى هذا النهر الذى يجب أن يحمل الخير والنماء للجميع وليس الضرر ولا الخراب.
حمل البابا القيادة السياسية للبلدين مسئولية احتواء أى خلاف حماية لحقوق الشعبين، فليس مسموحا أن تكون الصراعات السياسية على حساب حياة الشعوب.
ما فعله البابا فى إثيوبيا هو الوطنية بعينها، هو المسئولية كما تعلمناها، أثبت البابا كعادته أنه رجل يعرف حق بلده عليه، لم يتهرب من مسئوليته ولم يبحث عن شماعات يعلق عليها سلبيته، كما يفعل آخرون، بل تصدى بشجاعة للدفاع عن مصالح أهل بلده.
أعتقد أن ما فعله البابا درس يجب أن يعيه الجميع، يجب أن يتعلموا منه كيف يكون الشعور الوطنى وكيف يؤدى كل منا دوره دفاعا عن هذا البلد وحقوق أبنائه، كيف نفرق بين خلافاتنا الخاصة وأمن مصر القومى وحياة شعبها، كيف نكون جنودا لهذا الوطن المقدس كى نحمى مصالحه ونقاتل من أجل مقدراته.