جزء كبير من حالة الفوضى السياسية التى نعيشها سببها الزواج الباطل بين رجال المال والسياسة، لا أقصد أن يرشح اقتصادى كبير نفسه فى مجلس النواب مثلا أو يتولى الوزارة ليقدم خبراته للبلاد، ولكنى أقصد أن يسعى رجال المال الذين بنوا ثرواتهم بمخالفة القانون ونهب موارد الدولة وأصولها خلال الثلاثين عاما الماضية، لحماية أنفسهم عن طريق مجموعة من الخنادق، أولها امتلاك منصات القصف الإعلامية، وثانيها الاستحواذ على منابر السياسة، سواء فى البرلمان أو بالتغلغل داخل الوزارات بالإفساد والرشاوى، وثالثا بالتورط مع القوى الخارجية للعب الأدوار المشبوهة إياها فى دعم حالة الفوضى عندما تصدر الأوامر.
أعرف مجموعة من رجال المال الذين على رؤوسهم «بطحة» يسعون الآن بكل ما أوتوا من قوة ومال ونفوذ لشراء مقاعد بالبرلمان، ليس فقط لضمان نجاحه بالزور وشراء أصوات الناس، ولكن من خلال التربيط مع العائلات القوية بالمحافظات التى تضمن دائما فوز ممثليها فى البرلمان.
مقعد البرلمان وصل ثمنه إلى ثلاثة ملايين ونصف المليون جنيه ومرشح للزيادة مع اقتراب موعد الاقتراع، وهناك رجال أعمال يتفاخرون فى جلساتهم السرية أنهم جمعوا أربعين وثلاثين مقعدا مضمونا حتى الآن، وهناك رجل مالى معروف ومكروه شعبيا يتصدى لجمع مائة مقعد بأمواله ويعلن ذلك للمقربين منه، ويحدث ذلك تحت بصر وسمع الأجهزة المعنية بالدولة، دون أن يكون لديها خطة واضحة لمواجهة ما يحدث على الأرض ومنع الإفساد المعلن فى أول برلمان بعد ثورة عظيمة مثل 30 يونيو.
الظروف الاقتصادية والاجتماعية وتراجع الوعى بأهمية التصويت لصالح الأفضل فى الانتخابات، ما زالت تخدم هؤلاء الفاسدين وتمنحهم فرصا جديدة لحماية جرائمهم واللعب ضد الدولة نفسها، بل والتحالف مع الشيطان نفسه لتحقيق مصالحهم الشخصية الضيقة، والتى بالضرورة تتعارض مع مصالح المواطنين وتعمل على استمرار إفقارهم وإمراضهم وتجهيلهم، فهل تملك الدولة المصرية خططا لمواجهة هذا الإفساد الكبير؟
أليست التجربة الروسية فى هذا المجال حاضرة وبارزة أمام عيوننا جميعا؟ أم أن الإدارة المصرية تراهن على صحوة ضمير الفاسدين وعلى شعورهم بالندم من تلقاء أنفسهم والتحول بإرادتهم إلى نموذج طلعت حرب الوطنى، فكم من الوقت ستستغرقه الإدارة المصرية لتستيقظ من نومها وتتعامل بواقعية مع مصاصى الدماء ومعدومى الضمير؟!