كتبت كثيرا عن أمراض النخب المصرية، وكيف أنها كانت من أهم أسباب تعثر الدولة والمجتمع فى مصر، وتراجع مكانة المحروسة بين دول العالم، النخب المصرية فى كل المجالات طاعنة فى السن، أفكارها قديمة، تحارب الشباب، والأفكار الجديدة، زد على ذلك أنها منقسمة على نفسها، ومتصارعة حول المناصب والمصالح، والغريب أن صراعات النخب تدار بأساليب قديمة أقرب ما تكون لحروب القبائل القديمة، بالرغم من تغليفها أحيانا ببعض الأفكار والأيديولوجيات.
صراعات ثأرية لا مجال فيها للحوار أو التفاوض والوصول لحلول وسط او اتفاقات تاريخية، لذلك تبدو أحيانا صراعات بلا معنى وبلا هدف سوى الإضرار بالوطن، وتدمير الذات، أى تدمير النخبة نفسها، ففى الحروب الكلامية للنخب، يتبادل الجميع الاتهامات بالفساد واستغلال النفوذ، والتمويل من الخارج، والعمالة، والتكفير.. إلى آخر الاتهامات المعروفة والمتداولة التى تدمر مكانة النخب بين الجماهير، وتجعل الناس لا تثق فيهم جميعا، ومن ثم تزداد عزلة النخبة وعدم قدرتها على التأثير فى المجتمع.
لنتذكر مثلاً فشل النخب فى استثمار مناخ الحرية والفرح والتحدى بعد ثورة 25 يناير، وكيف حارب الجميع الجميع فى الانتخابات البرلمانية عام 2012، ثم الانتخابات الرئاسية ففاز الإخوان، ومع ذلك استمرت انقسامات وصراعات النخب السياسية ففشلوا فى الإطاحة بالإخوان. ومؤخرا فشلت النخب السياسية فى الاتفاق على قائمة موحدة لخوض الانتخابات البرلمانية القادمة.
حاول، عزيزى القارئ أن تتذكر أسماء عشرين شخصية عامة ومؤثرة فى أى مجال من مجالات العلم أو العمل العام لم توجه له اتهامات أو تثار حوله قصص وشائعات سلبية فى الصحف ومواقع التواصل الاجتماعى، كثير من هذه الاتهامات والقصص غير صحيحة، لكنها للأسف تشوه صورة ومكانة النخب المصرية فى كل المجالات، وتجعل الصورة الإجمالية للنخب المصرية سلبية وغير مشجعة، وعاجزة عن قيادة البلد، أو تعليم صف ثان، ولاشك أن هناك كثيرا من أفراد النخب فاسدون وانتهازيون وليس لديهم مهارات للقيادة، لكن أعتقد أن تعميم الإساءة للنخبة أمر غير منطقى ويغذى من قوة سؤال سخيف وغير منطقى يهيمن على النقاش العام فى الإعلام والبيوت وهو: ما هو مفيش بديل.. هانجيب مين بس؟ والمشكلة أن هذا السؤال التعجيزى مفيد جدا للنخب الفاشلة الموجودة فى الكثير من مؤسسات الدولة، لأنه يبرر استمرارهم، حيث يطرح وكأنه حقيقة أو بديهية متفق عليها تمنع التفكير قى تجديد القيادة فى أى مجال، لأنه لا يوجد صف ثان.
والحقيقية أن مصر عامرة بالكفاءات القادرة على قيادة الوطن والانطلاق به نحو المستقبل، صحيح أن مستوى التعليم فى الجامعات متواضع، وأن بيروقراطية العمل فى القطاع العام والخاص تدمر أو «تطفش» الكوارد المتعلمة بشكل جيد والتى لديها قدرة على العمل المبدع، لكن يظل هناك أعداد قليلة من الشباب، لكنها كافية لقيادة سفينة الوطن، شباب فى الثلاثينيات والاربعينيات تعلموا فى الخارج أو تمكنوا من تعليم أنفسهم ذاتيا، بعض يعمل فى مصر ولم يأخذ فرصته فى القيادة، وبعضهم يقود كيانات عملاقة فى دول الخليج وكتب قصص نجاحات مبهرة، ومع ذلك يريد العودة لمصر، قناعتى أن أغلب النخب المصرية فى كل القطاعات لا تصلح، وأن مستقبل المحروسة رهن بتجديد النخب المصرية والدفع بالشباب المتعلم جيدًا إلى مراكز القيادة والتفكير والعمل فى الدولة والقطاع الخاص والأحزاب، وصدقونى أن بعضهم لديه الخبرة، وهى خبرات جديدة تختلف عن خبرات النخب الحالية التى فشلت فى إدارة الدولة والمجتمع، رسالتى.. لا نريد خبرات النخب الفاشلة، نريد للشباب أن يقود بأفكاره وخبراته الجديدة، الخبرات المحلية والدولية الناجحة فقط.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة