قلبه الصغير كان يخفق بقوة .. حتى كاد أن يقتحم ضلوعه.. فقد ذبلت ضحكته البريئة.. وترغرغت عيناه بالدموع.. فبراءته وهو ذو ثلاثة أعوام.. لا يجوز أن تتحمل كل ذلك.. فكل من حوله يصرخ بلا توقف.. ومصدر طمأنته الوحيد أمه «ريحانة».. التى لم تتوقف عن النحيب والبكاء.. وقد اعتصرته فى أحضانها.. خوفًا عليه.. من الأمواج التى تلطم القارب بقسوة.. لا تقل عن أهوال الحرب وويلاتها.. حيث فروا من القتل والسبى.. فى أرض كان اسمها «وطن».. ودمار كان من قبل دولة.. لينقلب القارب.. مستجيبا ومستسلما للأمواج.. التى ابتلعته.. فتخلل الماء كل مسامه.. وتلاعبت الأمواج.. بجسده الملائكى.. وهو لا يتوقف عن التساؤل.. من دون فهم.. ما الذى يحدث له ولماذا؟.. حتى خرج الزبد من فمه.. ليقذفه البحر على شاطئه.. برجة للكرة الأرضية.. وصفعة مدوية للعالم المدعى بأنه حر.. فقد قتلناه جميعا.. بلا استثناء.
مات الطفل السورى «إيلان» غرقًا.. وشقيقه ووالدتهما.. حيث كانوا على متن قارب.. فى البحر المتوسط.. بالقرب من السواحل التركية.. فصورته وهو مسجى على رمال الشاطئ.. فى سباته العميق الهادئ.. قد أسقطت ورقة التوت.. لتكشف عورات العالم.. وقبح إنسانيته المزعومة.. فكيف نحيى فى هذه الغابة البغيضة.. وبأى ذنب قد قتل «إيلان».. ففى النهاية قد ارتاح.. وفاز برحلة سفر أبدية.. إلى عالم بالتأكيد أفضل مما نحن فيه.. ليترك ذوى الضمير معذبين.. لا تفارق صورته أذهانهم.. ليشترك كثير من رواد مواقع التواصل الإجتماعى .. فى تعبير واحد.. تعليقًا على صورته.. بـ«وجع قلب».
فرغم تعودنا على مشاهد الدماء.. هنا وهناك فى منطقتنا.. فإنه تأتى بين حين وآخر.. بعض الصدمات الكهربائية.. لتفض الجرح المُضض.. فنعتصر ألمًا.. هذا حال أصحاب الضمير.. ممن استطاعوا أن يحتفظوا لأنفسهم.. ببصيص من الإنسانية.. أما من ماتت ضمائرهم.. الذين جنوا على سوريا.. لبضع سنوات مريرة.. فمازالوا فى فجرهم خائضين.. فالشعب السورى.. بات الدواعش أمامه.. ومؤامرات أصحاب الأجندات من خلفه.. لتتحول سوريا إلى مسرح عمليات.. للاقتتال الطائفى.. ومنصة انطلاق.. لإعادة تقسيم المنطقة.. وفق المخطط الأمريكى.
ولم يكتفوا بذلك.. فالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين.. أعلنت أن أكثر من 12 مليون سورى.. بحاجة للمساعدة للبقاء على قيد الحياة.. ورغم ذلك.. أخذ أراذل العالم والمنطقة.. فى المتاجرة بأوجاع اللاجئين.. لأغراض سياسية.. وأكثر مثال صارخ.. يتجسد فى أردوغان فى مشاهد الحنو المزيفة.. التى يجسدها فى معسكرات النازحين.. على الحدود السورية التركية.. فى الوقت الذى يقمع فيه شعبه.. فى المظاهرات العارمة.. بجانب اتخاذ بعض القوى الدولية .. معسكرات اللاجئين.. فى بعض الدول العربية ذريعة.. فى تحويلها إلى «مسمار جحا».. لزيارتها من وفود أجنبية.. بدون «إحم ولا دستور».. وهو ما تنبهت له مصر باكرا.. عند استقبال اللاجئين السوريين.. ففتحت لهم أرض الوطن بالكامل.. ليوزعوا ويندمجوا فى المجتمع المصرى.. دونما التمركز فى منطقة محددة.. وهو ما فوت الفرصة.. على دول محور الشر.
فى النهاية.. مات «إيلان».. فى هذا المشهد المرير.. لأنه فقد جيشه.. الذى تفكك.. لنحمد المولى عز وجل.. أن حمى مصرنا بجيشنا.. وحفظ أبناءنا ونساءنا.. من القتل والرق والسبى والشتات.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة