عرفت الدكتور جلال أمين عام 1987 تقريبا، كنت فى بداياتى الصحفية، وكان هو مفكرا يتميز بطرح أفكار خارج الصندوق، وذهبت إليه لإجراء حوار حول مستقبل مصر عند نهاية القرن، ووقتها طرح رؤية متماسكة عن المستقبل تتحدث عما إذا كانت القيادة السياسية تعى أن مصر هى دولة «الدور» فى المنطقة، أم دولة «الخدمة» ؟، و«دولة الدور» تعنى قيادة المنطقة بحكم حقائق التاريخ والجغرافيا، أما دولة «الخدمة» فتعنى أن تجعل القيادة من مصر أداة، توجهها أمريكا والغرب لصالح أهدافهم الخاصة.
المؤكد أن هذه الرؤية كان هناك آخرون يذكرونها، لكن الفرق بينهم وبين جلال أمين يكمن فى أنه يطرحها مزودة بحقائق سياسية واجتماعية واقتصادية وإنسانية وتاريخية، بمعنى أنك لا تجده بارعا فى مجال دون الآخر من هذه المجالات، وإنما بارع فيها كلها، وبالرغم من أن تخصصه الأكاديمى هو الاقتصاد وكان يدرسه، إلا أن اسمه كمفكر لم يكبر من كونه عالما فى الاقتصاد، وإنما من خلطة شاملة فيها اقتصاد وسياسة وثقافة وعلم اجتماع وتاريخ وأدب وفكر، والمدهش أنه يقدم هذه الخلطة بأسلوب فريد فى الحكى، ويضعها فى قالب إنسانى بديع بسرده لحكاية قد تكون مثلا عن رحلة شرائه لجريدة من عند بائع الصحف، أو قطع الطريق من مسكنه فى المعادى إلى محطة المترو، ومنه إلى مقر عمله كأستاذ فى الجامعة الأمريكية فى وسط القاهرة.
أقول ذلك بمناسبة كتاب «مكتوب على الجبين - حكايات على هامش السيرة» لكاتبنا العظيم، والصادر عن «دار الكرمة للنشر والتوزيع»، الذى يأتى بعد كتابيه «ماذا علمتنى الحياة؟» وهو سيرة ذاتية، ثم «رحيق العمر» وهو استكمال للسيرة ولكن ليس بمعنى أنه يبدأ من حيث ينتهى الكتاب الأول، وإنما موازيا له، أى يقدم أشياء لم يسبق قولها فى كتابه الأول، واسترعت انتباهه بعد أن رأى رد الفعل على «ماذا علمتنى الحياة ؟».
فى سيرة العمر وجد «جلال أمين» أشياءً تستحق أن تروى بعد أن بلغ الثمانين من عمره: «من عاش مثلى ثمانين عاما، لابد أن يكون قد تعرف فى حياته على عدد كبير من الناس، رجال ونساء، أغنياء، وفقراء، من المتعلمين وغير المتعلمين، مصريين وأجانب، وعندما أستعيد فى ذهنى ما رسخ لدى من انطباعات عن هذا الشخص أو ذاك، فيمن تعرفت عليهم على مر السنين يعترينى العجب». ونستكمل.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة