لا شك أننا جميعا تأثرنا بمشهد جثة الطفل السورى"إيلان" التى قذفتها أمواج البحر على الشواطئ التركية، بعد أن غرق هو وشقيقه ووالدته أثناء الهجرة إلى أوروبا، وعجز الأب المسكين الذى شاهدهم وهم يموتون عن إنقاذهم، رأى كل منا فى هذا الطفل صورة ابنه أو حفيده أو أخيه.
لم يتسع العالم ليجد هذا الصغير وأهله مكانا يأويهم، لم يجد سوى رمال الشاطئ ليرتمى فوقها بعد أن فقد صدر أمه، وتخلى عنهم العالم ففارق البرئ دنيانا بما فيها من ظلم وقهر واضعا حذاءه فى وجوهنا.
بكينا وصدمنا المشهد وتدفقت أنهار الحبر والدموع على هذا الطفل وأسرته، وكالعادة لم يخل الأمر من الخلاف وتبادل الاتهامات، تهكم الكثيرون على من وضعوا صورة الطفل ونشروها على صفحاتهم وأكدوا: "ستبكون اليوم وتنسون غدا"، ووصل الأمر إلى أن صب البعض لعناتهم على الشعب السورى نفسه وتشفى فيما حدث لهؤلاء اللاجئين وأسرهم، وانبرى عدد كبير ليستخلص موعظة وحيدة رآها فى هذه المأساة، وهى أننا كان يمكن أن نلقى نفس المصير لولا سقوط الإخوان.
ووسط كل هذا الجدل والسفسطة خرج المهندس نجيب ساويرس من هذه الدائرة وطرح فكرة من خارج الصندوق، حيث أطلق تصريحا يحمل حلا - من وجهة نظره - لأزمة اللاجئين السوريين!.
قال رجل الأعمال إن اليونان تمر بضائقة مالية ولديها جزر مهجورة ذات مساحات واسعة، وترغب فى بيعها، وإن الإهانات وحجم المآسى التى يواجهها السوريون المهاجرون لا يقبلها عقل ولا منطق، وأكد أنه على استعداد لشراء إحدى جزر اليونان أو إيطاليا ليستقر فيها هؤلاء اللاجئين حتى يتم حل أزمة بلادهم، وأنه سيوفّر لهم فرص عمل، وسينشئ بها ميناء صغيرا للزوارق المحملة باللاجئين وسيوظفهم لبناء المنازل والمدارس والمستشفيات، مضيفا أن اللاجئين سيكون لديهم حرية الاختيار فى العودة إلى ديارهم فى أى وقت أو البقاء على الجزيرة، وأكد أن كل ما يحتاجه هو السماح ببقاء هؤلاء اللاجئين على الجزيرة، وأن الأموال ليست مشكلة لأنه سيوفرها، مشيرا إلى أنه لن يأخد أمواله إلى القبر، وأعلن عن اسم الجزيرة ليسميها باسم الطفل السورى الغريق "إيلان".
وبمجرد أن أطلق ساويرس هذه التصريحات انهالت الكثير من الاتهامات والانتقادات والتشكيك فى نواياه، وأشار البعض إلى أنه كان من الأولى به توجيه أمواله للمصريين الفقراء فى العشوائيات والصعيد أو بناء مستشفيات، بينما أكد البعض أنه يسعى لاستعباد السوريين وتشغيلهم بالسخرة، بينما أكد رجل الأعمال أن ما يريد فعله يأتى من منطلق إنسانى، وأن السياسيين الذين يتهكمون من اقتراحه لا قلب لهم، فى حين وصفته صحيفة "لى ليبرا بيجك" البلجيكية بـ"منقذ البشرية"، واختارته شخصية عدد يوم السبت.
وبعيدا عن تمجيد أو تسخيف اقتراح رجل الأعمال المصرى نؤكد أننا نتمنى أن ينجح فى تحقيق هذا الحلم، بعد أن عجزنا جميعا عن إنقاذ إخوان لنا تظاهر الأوروبيون لإجبار حكوماتهم على سرعة إصدار إجراءات وقرارات لتسهيل إيواءهم، بينما كنا نثور بالملايين من أجل بعض الرسوم المسيئة للرسول، وفتحت لهم ألمانيا أبوابها واستقبلتهم بعد حادث غرق الطفل، بينما أغلقت أفواه وأبواب زعماء أكثر الدول العربية والإسلامية ثراء، فى الوقت الذى وقفت أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية لتستقبلهم بترحاب.
نتمنى أن ينجح ساويرس فى إيواء إخواننا السوريين وتنفيذ ما اقترحه، فيكفيه أنه بحث عن حل فى الوقت الذى لم تتحرك فيها أى مؤسسة دينية إسلامية أو مسيحية لتتحدث عن نصرة أشقائنا السوريين، فى حين تسارع أى منهما لإصدار البيانات من أجل فيلم مسىء للرسول أو للمسيح عليهما السلام، رغم أن حرمة الدم أكبر عند الله وفى أى دين من أى حرمة أخرى ولن يرضى محمد أو المسيح بالغضب غيرة عليهما أكثر من الغضب على الأرواح البريئة التى تزهق دون مجير.
ولو نجح ساويرس فى تحقيق هذا الحلم أيا كانت أهدافه سيكون أقوى وأنفع للعرب من جامعة الدول العربية التى لم تفعل شيئا لإغاثة الملهوفين، وسيقدم قدوة عملية أفضل من آلاف الخطب والمواعظ التى يلقيها علينا رجال الدين "إسلامى ومسيحى"، والذين لم نسمع منهم بيانا أو حلا أو شجبا لموقف الدول العربية تجاه ما يحدث فى سوريا وما يعانيه السوريون، لو نجح سينقذ ماء وجوهنا جميعا ويقدم دليلا على أن النخوة ما زالت تنبض فى أرض العرب، ويقدم نموذجا لرجال الأعمال لتبنى حلول للمزيد من المشكلات والقضايا على المستوى المحلى والعربى والعالمى.
لا تفتشوا فى النوايا ولا تسخفوا الأحلام طالما أننا جميعا عاجزون عن مد يد العون لإخواننا وأطفالهم الذين يموتون ويجوعون ويهيمون على وجوههم فى بلاد الله، بينما نتفرغ نحن لجلد بعضنا بعضا، فليس أمامنا إلا أن ننتظر وندعو أن يتحول حلم ساويرس لحقيقة، والأيام كفيلة أن تظهر حقيقة النوايا.