أخذ الدكتور يوسف زيدان على كاهله مهمة ثقيلة تنوء بحملها الجبال، ويكاد الأنبياء- حسب النص القرآنى- يصيبهم اليأس فى سبيل تأديتها، ألا وهى إعادة الفهم لهذه الأمة، وكشف مناطق الالتباس فى قولها وتراثها، وبالتالى فى حاضرها ومستقبلها، لذا قصد يوسف زيدان «نقض» كل ذلك عن طريق مواجهة التراث بالتقليل من أثره، ومعرفة نقاط الضعف التى يصنعها، وكشف أسسه والمغالطات التاريخية التى تشوبه، واعتمد يوسف زيدان فى سبيل تأدية رسالته كاملة على مقولة يرددها أينما قال أو كتب، وهى «هناك عدم وعى مجتمعى بالتحولات الدلالية فى اللغة».
هذه الجملة التى يعتمد عليها يوسف زيدان لا تقل التباسًا عن التراث الذى يحاول تنقيته، بل هى جملة أكثر اتساعًا مما تبدو، وأقل تحديدًا، كما أن تركيبتها غرائبية جدًا، فليس المفروض أن يكون هناك وعى عام للمجتمع كله بالتحولات الدلالية فى اللغة، فهذا الدور يرصده «المتخصصون» وصانعو الوعى فى المجتمع، خاصة أن يوسف زيدان يضرب أمثلة كى يصف من خلالها هذا التردى فى الوعى، فيقول بأن «القهوة» تعنى الخمر، ولا تعنى «البن»، وهى أمثلة لا تمثل الخطر الذى يتوقعه «زيدان»، وهذا ليس خطأ إنما الخطأ الدلالى يأتى لو شربنا «الخمر» وسميناها «قهوة»، لكن ما دامت الأسماء لم تؤثر فى المضامين فلا ضرر.
جانب آخر يظهر فى خطابات يوسف زيدان، هو التقليل من التراث، حيث يرى أن هناك آخرين دائمًا هم شركاء لنا فى كل شىء، فتضيق دلالة الأشياء ومعانيها، فآية «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين»، يخرج منها العالم كله، وما قد تمثله من خير على الوطن ويذكرها بحرفيتها، ويقول إنما نزلت فى اليهود، هذا على رغم كونه ينتقد تضييق النصوص ويهاجم القراءة الحرفية لها، هذه القراءة الحرفية تجعلك حينها تلحظ التشابه الكبير بين خطاب يوسف زيدان وبين الخطاب السلفى الذى يأخذ بظاهر النص أيضا.
أما حديثه عن «تدويل القدس» فدليل قوى على أن يوسف زيدان يصر على قصر الصراع الفلسطينى الإسرائيلى فى دائرة الصراع الدينى، ويخرج الأرض من المعادلة، وكأن الصهاينة لو اختفت القدس سيغادرون الأرض المحتلة صباح اليوم، والحقيقة التى يعرفها زيدان جيدًا هى أن اليهود الذين جاءوا لفلسطين احتلوا بلدًا ليست بلدهم، واستولوا على أرض ليست أرضهم، ولن يتركوها إلا إذا تمت هزيمتهم فيها وشعروا بالخوف حينها لن يفكروا فى قدس ولا هيكل.
ربما تكون نية يوسف زيدان طيبة وأفكاره ليست كلها فاسدة، خاصة فيما يتعلق بتحليل سبل التطرف التى تنتشر داخل مجتمعاتنا، لكن تحطيم كل الأشياء ليس حلًا، وإدخال الصهاينة فى كل شىء ليس هو السبيل المستقيم، نحن لنا تراثنا الذى يحتاج لتنقية وليس لهدم، والآخرون الذين يرتدون ثياب الأعداء هم مجرد أعداء هذه خانتهم وهذه مكانتهم.