هذا هو عنوان مؤتمر مكتبة الإسكندرية الذى انعقد على مدى يومين وشارك فيه باحثون من مصر والعالم العربى والغرب، كما شاركت فيه مؤسسات عديدة كان أهمها الأزهر الشريف الذى كان ممثلوه يرتدون الزى الأزهرى، وساجلوا للدفاع عن المؤسسة التى أجمع الحضور على جعلها المرجعية فى الشؤون الإسلامية، كانت هناك عناوين مهمة للجلسات مثل الثابت والمتغير فى بنية حركات التطرف، ومقاربة العلوم الاجتماعية للتطرف فى العالم العربى، ونقد خطابات التطرف والإعلام ومواجهة التطرف، والفضاء الرقمى والتعليم، والإرهاب الداخلى فى أوروبا، كما كانت هناك شهادات للمشاركين فى مواجهة التطرف.
والتطرف هو موقف فكرى إن لم يواكبه تدابير لمواجهته فكريا فإنه قد يقود إلى الانزلاق إلى العنف الحركى، ومن ثم فإن ما طرح فى المؤتمر هو محاولة استكشاف سبل استباقية للتعامل مع ظاهرة التطرف الفكرى، وقد حرص كثيرون من المشاركين للتنبيه على أن التطرف ليس مقصورا على الحركات الدينية الإسلامية أو المسيحية أو اليهودية، وإنما قد يجاوزها لمناطق مختلفة مثل السياسة التى قد تنتج أيديولوجيات متطرفة، أو الرأى الذى يتخذ موقفا متطرفا من القضايا المختلفة، أو فى السلوك الاجتماعى الذى يتخذ مواقف أشبه بالموضات فى المسلك والهيئة، فضلا عن أن التطرف قد يأخذ منحى جناحيا نحو الذهاب للمخدرات وتعاطيها أو حتى الذهاب لأشكال متطرفة من السلوك الجنسى، أى أن التطرف ليس مقصورا على الظاهرة الدينية فقط، وليس مقصورا على التدين الإسلامى وحده.
ولأن التطرف هو موقف فكرى مرتبط عادة بطبيعة الشخصية التى عادة ما تأخذ نفسها بما لم يطلب منها، أو لم يفرض عليها، فهى تريد أن تحمل نفسها فوق ما يعتاد الناس عليه، ظنا منها أن ذلك ذهابا إلى الكمال والمثالية، ومن ثم فإن التعامل معه يكون بنفس أدواته الفكرية. فالفكرة لا تواجهها سوى الفكرة، أما حين يتحول التطرف من سلوك شخصى إلى فعل حركى يتوجه به صاحبه إلى المجتمع أو إلى السلطة السياسية، فإن المجال هنا يكون بالوسائل التى تكافئه من استخدام القانون بأدواته التى قد يكون منها مواجهته بالقوة، ومن هنا فإن كثيرا من الباحثين نبه إلى التمييز بين التطرف والإرهاب، باعتبار أن الإرهاب هو استهداف الممتلكات والأشخاص بقصد التخويف والترويع وإشاعة الفوضى فى المجتمع.
فكرة التدابير تعنى الانشغال الذى لا يتوقف بأمر يمثل تحديا خطيرا للإنسان والدولة والمجتمع من أجل التوصل إلى فهم واضح بالظاهرة موضع التحدى، ثم التوصل إلى التوافق على الوسائل التى يمكن من خلالها مواجهة هذا التحدى، والاستنتاجات النهائية التى تحول دون تفشى الظاهرة وتحولها من مستواها الفردى الذاتى غير المهدد للآخرين إلى المستوى الذى ينتقل بها إلى شكل إرهابى، يستخدم العنف والترويع أداة له لتهديد التوافق الاجتماعى وإشاعة الفوضى.
ومن ثم فإن ظاهرة التطرف تحتاج لانشغال بها والقيام على دراستها بشكل لا يتوقف، وقد لاحظ كثير من الحضور أنه لا توجد فى مصر مراكز متخصصة وقائمة على دراسة الظاهرة بشكل دائم، وباستثناء ما نشره المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية عن «المتشددين المحدثين، دراسة لحركات إسلامية معاصرة»، وهو جزءان، والأبحاث فيه قديمة لأنها مطبقة على حركة الفنية العسكرية، باستثناء هذا الجهد العلمى لا توجد تدابير فكرية لدراسة الظاهرة الأخطر فى العالم العربى والعالم كله، بيد أن جهد مكتبة الإسكندرية يبقى مهما، لكنه وكما أشرت فإن التدابير تعنى الانشغال الدائم والمؤسسى لظاهرة خطيرة تحتاج لعمل دائم لا يتوقف حتى يمكن صياغة رؤية واضحة عن الظاهرة، لمنع تحولها إلى خطر، أو تحولها إلى عنف وإرهاب.