تناولنا بالأمس بعض النقاط المضيئة فى حديث الرئيس عبدالفتاح السيسى فى دار الأوبرا المصرية الذى شمل الإعلان عن بعض القرارات الاقتصادية ذات البعد الاجتماعى، وهو ما اعتبره تطورا كبيرا ليس فى توجهات الرئيس فحسب، وإنما فى عقيدته الفكرية أيضا، فقد أصدر الرئيس منذ توليه العديد من القرارات التى تنتمى إلى حزمة القرارات الرأسمالية التى تدعم فكرة «اقتصاد السوق»، وفى قراراته الأخيرة توجه كبير نحو تحقيق «العدالة الاجتماعية»، بتوزيع فرص الاستثمار على شرائح مجتمعية مختلفة، لكن أخطر ما تحدث عنه الرئيس فى هذا الخطاب هو ذلك التوجه نحو تطوير التعليم وإفشاء الثقافة، فقد أعلن الرئيس عن مشروع لتحديث مناهج الدراسة فى المدارس والجامعات، كما أعلن عن خطة لدعم «قصور الثقافة»، وتطوير مراكز الشباب، وفى اعتقادى أن هذين المحورين، الثقافة والتعليم، هما المفتاح السحرى لحل جميع مشاكلنا، لأنهما يهدفان إلى الارتقاء بالإنسان صانع الحضارات وثروتها.
أبهجنى هذا الحديث ليس لأنه تناول الثقافة بشكل عام، ولكن لأن الرئيس ذكر بالاسم «قصور الثقافة» دون غيرها من هيئات وقطاعات وزارة الثقافة، فقصور الثقافة هى الذراع الطولى للدولة المصرية إذا ما أرادت مصر أن تنتشل أبناءها من التطرف، وبحسبة بسيطة فإن مصر التى تمتلك أكثر من 120 ألف زواية ومسجد لا تمتلك سوى 500 قصر وبيت ثقافة أكثر من نصفهم «مغلق» ولا أضع هنا «المسجد والقصر» فى مقابلة تضادية، لكنى فقط أؤكد أن الثقافة مازالت مظلومة على كل المستويات، إذ يجب أن الدولة إذا أرادت النهوض بالثقافة العامة للشعب أن تجعل المعرفة حقا، والفن حقا، والكتاب حقا، وأن ترفع شعارا قريبا من ذلك الذى رفعه طه حسين فى أوائل القرن الماضى الذى قال فيه: «إن التعليم كالماء والهواء»، ليصبح «الثقافة كالماء والهواء».
أمام المثقفين الآن فرصة ذهبية لاقتناص هذا الاهتمام «المعلن» من أعلى رأس بالدولة، وأمام الكاتب الكبير حلمى النمنم وزير الثقافة تحدٍ حقيقى فى مسألة الارتقاء بالثقافة، فها هو الرئيس يسخر إمكانيات الدولة من أجل مساعدة الوزارة الأهم فى مشروعها الأساسى، وعلى المثقفين أن يدركوا أن من واجبهم تقديم الحلول والاقتراحات بل والمقاتلة من أجل تنفيذها، فللأسف يعانى الجهاز الإدارى المخنوق بالبيروقراطية من مشكلات مزمنة تعيق أى عمل وأى تقدم، وإن لم نحارب جليد الجمود الوظيفى بنار الإبداع ونوره فسندخل جميعا إلى كهف الأزمان الغابرة غير مأسوف علينا.
ولا يصح الحديث عن الثقافة هنا دون أن نتحدث عن التعليم ودوره فى تنمية الوعى الوطنى وتثقيف الروح وإثراء الوجدان وتدعيم الانتماء، وفى الحقيقة فإننى أرى أنه لا يجب أن نتعجل فى إنجاز مشروع تطوير التعليم، ولا يجب أيضا أن نستسلم لضغط الأوضاع المتردية و«نسلق» المشروع كما يسلق عشرات المشاريع فى مصر، فنحن لا نريد إصلاحا سطحيا ينجز فى أشهر ويستهلك فى أشهر أيضا، بل نريد إصلاحا راسخا يضع الأسس العلمية الحديثة والمعايير العالمية المعتمدة نصب العين والعقل، فنضع بالتعليم أسسا ثابتة لوطن حى ومتجدد.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة