الثورة خلعت حاكمك الحرامى
يمكنك أن تكره ثورة 25 يناير لأنك لم تجد فيها مصالحك، ويمكنك أن تكره 30 يونيو، لأنك لم تجد فيها مصالحك، يمكنك أن تكون فى مشاعرك المضادة للثورتين، مثل هؤلاء الذين كرهوا ثورة 23 يوليو 1952، وثورة عرابى 1881، وثورة 1919، والنضال الوطنى الذى قاده مصطفى كامل ومحمد فريد.
يمكنك أن تكره وتسب وتلعن وتقسم وتفعل أى شىء، وكل شىء، كى تشيع أن النضال الوطنى «خيانة»، وأن رموزه «خائنون»، فهكذا كان الخديوى توفيق يرى أحمد عرابى.
اعتقد كما تشاء، لكنك من فضلك تذكر أن فى كل هذا التاريخ حقائق لم يستطع أحد مهما كان كارها أن ينكرها. أحمد عرابى قاد ثورة ثم أرسلوه إلى المنفى، وصادروا كل ممتلكاته وكانت آلاف الأفدنة، ولما عاد من المنفى بصق مواطن فى وجهه حين عرف أنه هو عرابى الذى قاد «هوجة» انتهت بالاحتلال، واضطرت أسرته أن تؤخر دفنه حتى تقبض المعاش لتشترى كفنه. ومات مصطفى كامل وهو شابا، عمره 34 عاما ولم يكن له ثروة وإقطاعية وممتلكات، ومات محمد فريد فى غربته فى ألمانيا بعد أن باع كل شىء فى مصر من أجل النضال الوطنى، وظل جثمانه فى الخارج محفوظا فى أحد الأديرة حتى قام تاجر الأقمشة ابن الزقازيق الحاج خليل عفيفى بالسفر إلى ألمانيا والرجوع بالجثمان متحملا كل النفقات. أما سعد زغلول فكان ميسور الحال، لكن يسر حاله لم يكن ثمنا لنضاله الوطنى، فهو لم يقبض مالا ثمنا لزعامته لثورة 1919، وكذلك جمال عبدالناصر الذى قال أعداؤه عنه كل شىء فى محاربة سياساته، وبحثوا وفتشوا فى كل الأوراق كى يجدوا فسادا ماليا يسندهم فى تشويه الرجل، لكنهم فشلوا، وتأكد الجميع أن الرجل عاش فقيرا ومات فقيرا، لم يترك مالا ولا عقارا وحتى البيت الذى كان يسكن فيه كان ملك الدولة.
هكذا هى سيرة الزعماء والمناضلين، سيرة رجال عظماء يعطون ولا يأخذون، ويذكرهم التاريخ بمعاركهم السياسية والنضالية، ومن حقك أن تقول فيها كما تريد من آراء، لكن من فضلك لاحظ أن التاريخ لا يذكرهم باعتبارهم لصوصا للمال العام، ليس لأن التاريخ يغفل ذلك، ولكن لأن صحيفتهم بيضاء، وذمتهم بيضاء.
نستدعى هذا التاريخ ربما يتعظ منه الكارهون لثورة 25 يناير، فالقضاء المصرى قال كلمته بالفم المليان: «مبارك حرامى»، قالها فى قضية القصور الرئاسية، ووضعنا أمام حقيقة أن حاكما لنا لم يكتف براتبه وكل مخصصاته المالية الهائلة، وإنما استغل منصبه أسوأ استغلال هو وأسرته حيث اعتبروا أن خزينة الدولة خزينتهم، ولا يهم كم عدد الجنيهات فى ذلك، مليون، اتنين، ثلاثة، أى ملايين، المهم أن المحكمة قالت لنا، إنه بالفعل كانت هناك سياسة «مد الإيد» من الحاكم: «وإذا كان رب البيت بالدف ضارب/ فشيمة أهل البيت كلهم الرقص»، فهل أيها الكاره لـ«25 يناير» مازلت كارها للثورة التى خلعت حاكمك الذى حكمت عليه المحكمة بأنه «حرامى؟»
لا تقل لى فى إجابتك إنها ثورة جاءت بالإخوان إلى الحكم، فالشعب الذى ثار كى يخلع الذى سرق خزائننا، هو الشعب الذى ثار كى يخلع الذى ضحك علينا باسم الدين، والشعب الذى ثار ضد حكم مستبد عنوانه مبارك، هو الشعب الذى ثار ضد حكم مستبد عنوانه مرسى.