تحدثنا فى المقالة السابقة عن جدار سوء الظن الذى يقِيمه الإنسان فى أفكاره فيُبعده عن رؤية الآخرين على نحو صحيح، ما يسبب الخلافات والصدامات بين البشر بدلا من الالتقاء والعمل معا، وذكرنا أن ما يرسِمه الإنسان من توقعات عن حياة الآخرين وشخصياتهم، التى ربما تكون مغايرة تماما للواقع، يصنع جدارا عظيمـًا بينه وبينهم، وقد سردنا فى ذلك قصة الرسام مع فقراء أهل قريته.
أمّا القصة الأخرى، فإنها تتحدث عن شابين كانا يقدِّمان خِدْمات إلى إحدى المؤسسات الخيرية، وكانت هذه المؤسسة تحتاج إلى دعم مادى لشراء بعض حاجات الفقراء من الطعام والملبس، فقرر الشابان أن يَطرُقا أبواب بعض الأقرباء والمعارف لطلب المعونة.
وفى إحدى الزيارات بعد أن طرق الشابان باب أحد المعارف ورحب بهما، وجدا هذا الشخص يلوم ابنه لومًا شديدًا بسبب أنه أوقد مصباحًا باستخدام عودين من الكِبريت بدلا من واحد فقط! أدرك الشابان مدى بخل الرجل، وتحادثا سريعـًا فى أنه لا أمل فى تعضيد من ذلك الرجل لهما، وبينما الشابان يفكران فى الرحيل، بادرهما الرجل بالحديث والسؤال عن سبب الزيارة، فتشجع أحدهما وذكر له أنهما يساعدان فى شراء بعض الحاجات للفقراء، وسأله هل يرغب فى مساعدتهما، ويقول الشاب: كنتُ أتحدث إليه بكلماتى هذه فى تردد شديد، مدركـًا أنه لا أمل فى مساعدة الرجل لنا، فهو يؤنب ابنه على عود كِبريت، فهل سيقدم إلينا أى شىء؟! بكل تأكيد لن يفعل، وإذا الرجل يتركنا دقائق معدودات، بعد أن دخل إحدى حجرات المنزل، ليخرج إلينا وفى يده مبلغ مالى كبير يقدِّمه إلينا، قائلا: خُذا هٰذا المبلغ لشراء ما يلزم، وإن أردتما مزيدًا، فلا تترددا فى القُدوم إلىَّ!! عقدت الدهشة لسان كل منا، فلم نستطِع شكر الرجل كما يجب، بل تمتمنا ببعض كلمات شكر على عطائه، ودعَوناه إلى المشاركة معنا بالحُضور فى يوم توزيع هٰذه الأشياء، إن كان يرغب، وما إن خرجتُ أنا وصديقى، حتى قلنا معـًا آسفين نادمين: لقد ظلمنا الرجل، وحكمنا عليه من موقف لا ندرى جميع أبعاده!.
عزيزى الإنسان: أنت لا تدرى كل ما يمر بالآخرين من ظُروف أو مواقف، ولا تدرى ما يتعرضون له من احتياج أو مشكلات أو عوائق قد تستدعى اللين أو الشدة؛ لذلك: ليكُن حكمك على الآخرين فى الأمور والمواقف التى تختص بك فقط، ومعك فقط، حتى لا تصل إلى نتائج غير صحيحة، فقط تساءل: ماذا أريد بالفعل من هٰذا الموقف أو ذاك الإنسان؟ ثم قيِّم مواقفك أنت فقط، لا مواقف الآخرين، حتى لا تظلم أحدًا، فالله وحده يعرِف قلوب البشر وأفكارهم وطبائعهم، وإن تخلَّى عنك الجميع يومـًا ما، فثِق بأن الله لا يتخلى عن أحد، وإن ظُلمتَ، فالله عادل، لذٰلك عامِل بمحبة وبساطة وحكمة، دون جدران بينك وبين الآخرين، تجدِ السعادة فى الحياة، بل قد تهبها للجميع.
•الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى .
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة