تحول شديد الأهمية فى موقف ألمانيا تجاه مصر، أعلنه وزير خارجيتها فرانك فلتر شتاينماير فى مؤتمر صحفى مشترك مع سامح شكرى، وفى تصريحات صحفية تناقلتها وكالات الأنباء العالمية، وهو ما سيكون له بالغ الأثر على العلاقات المصرية الأوروبية. وزير الخارجية الألمانى اعترف بأن بلاده لم تكن تُكون صورة صحيحة واضحة عما يحدث بمصر من تحولات خلال السنوات الأربع الماضية، وأن الأمور اتضحت الآن بعد اختيارات الشعب المصرى، وبعد استكمال المؤسسات وفق خارطة الطريق وانعقاد أولى جلسات البرلمان.
لا يعنينى أن أدقق فى تصريحات وزير الخارجية الألمانى، أو أن أتهمه بالتراجع عن الخط الأمريكى الذى يسعى إلى احتواء مصر وإرباكها من خلال دعم الجماعات الإرهابية وإثارة المشكلات والعقبات فى طريقها من الشرق على الحدود مع غزة، ومن الجنوب على الحدود مع السودان فى حلايب وشلاتين، ومن الغرب على الحدود مع ليبيا، حيث تتمركز الجماعات الإرهابية شديدة الخطورة والتى تسعى باستمرار للتسلل إلى حدودنا. ولكن ما يعنينى حقا هو مردود هذا الإعلان الصريح الواضح عن الخطأ الذى وقعت فيه الإدارة الألمانية، وكيف سينعكس إيجابا على العلاقات السياسية والاقتصادية بين برلين والقاهرة، وبين القاهرة وجميع عواصم الاتحاد الأوروبى، فألمانيا قاطرة الاقتصاد الأوروبى وأحد المحركين الفاعلين فى السياسة الأوروبية، كانت ترتبط بمصر ارتباطا وثيقا على مستوى تقديم الدعم الاقتصادى والمنح المالية والفنية طوال الوقت، إلا أن هذا الدعم المهم توقف بعد ثورة 25 يناير، حتى تتضح الصورة فى البلاد ثم توقف بعد ثورة 30 يونيو، مع فرض نوع من الحصار الاقتصادى غير المعلن على مصر، ومع الوقت استطاعت الإدارة المصرية كسر هذا الحصار بتحركات واعية عربية وعالمية، والتنسيق مع الجانب الروسى ومع القوى الاقتصادية غير المشاركة فى البرامج الأمريكية ضد مصر. الآن تفتح ألمانيا صفحة جديدة مع مصر، نظرا للتغيرات فى المنطقة العربية وأوروبا، فرضت التنسيق بين برلين والقاهرة لحماية مصالح البلدين، فأزمات التطرف والإرهاب واللاجئين الفارين إلى أوروبا والاكتشافات الكبيرة من الغاز المصرى، فضلا عن الاستقرار والنمو الاقتصادى الذى تحققه الإدارة المصرية فى منطقة شديدة الاضطراب، وفى ظل ظروف صعبة للغاية، كل هذه العوامل فرضت على ألمانيا ضرورة تغيير سياساتها تجاه مصر، ومد يد التعاون معها، وبحث كيفية التنسيق المشترك فى القضايا الثلاث الكبرى التى تهم أوروبا ومصر وهى: الإرهاب، واللاجئون، والغاز. مصر حققت انتصارات مهمة على قواعد التطرف والإرهاب رغم الدعم الكبير الذى تلقته عصابات الإرهابيين من الخارج على مستوى نوعية التسليح، أو الأموال، أو تهريب المرتزقة، والشباب المخدوع إلى سيناء عبر البحر والأنفاق لنقل التجربة السورية إلى مصر، هذه الإنجازات فى مواجهة عصابات الإرهاب والتطرف تحتاجها أوروبا بشدة بعد أن تسلل الإرهابيون إلى كبريات العواصم الأوروبية، وما أحداث باريس ببعيدة عن الأذهان، كما تسعى ألمانيا إلى استيعاب مشكلة اللاجئين السوريين والعراقيين إلى أراضيها بكل السبل، منعا لانفجار المجتمعات الأوروبية بفعل تسلل الخلايا الإرهابية وسط اللاجئين، وهنا لابد من التشاور وبحث إمكانية استيعاب هؤلاء اللاجئين فى دول جنوب المتوسط بدلا من دخولهم أوروبا، أو على الأقل الاستعانة بالخبرات المصرية فى معرفة خلايا الإرهابيين وسط اللاجئين. أما ملف الغاز المصرى والتعاون الثلاثى مع قبرص واليونان لمد خطوط الغاز إلى أوروبا فهو ملف تحتاجه ألمانيا بشدة وتدعمه أوروبا كلها، ويستحق أن تعدل برلين مساراتها حتى تتحقق مصالحها وللحديث بقية.